تفسير التستري، ص : ٢٠٧
قوله تعالى : الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ [٦] قال : هو الشرك الخفي، لأن المنافقين كانوا يحسنون الصلاة في المساجد، فإذا غابوا عن أعين المسلمين تكاسلوا عنها، ألا ترى كيف أثبتهم أولا مصلين، ثم أوعدهم بالوعيد. واعلموا أن الشرك شركان : شرك في ذات اللّه عزّ وجلّ، وشرك في معاملته، فالشرك في ذاته غير مغفور، وأما الشرك في معاملته قال : نحو أن يحج ويصلي ويعلم الناس، فيثنون عليه، هذا هو الشرك الخفي. وفي الخبر : أخلصوا أعمالكم للّه فإن اللّه لا يقبل من العمل إلا ما خلص، ولا تقولوا هذا للّه، وللرحم إذا وصلتموه فإنه للرحم، وليس منه شيء «١». وقد قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لمعاذ حين قال له : أوصني يا رسول اللّه، قال :«أخلص للّه يكفيك القليل من العمل» «٢».
قوله تعالى : وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ [٧] قال : الماعون متاع البيت. وقيل : هو الزكاة، وهو المال بلغة الحبش، واللّه سبحانه وتعالى أعلم.
السورة التي يذكر فيها الكوثر
[سورة الكوثر (١٠٨) : الآيات ١ الى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (٣)
قوله تعالى : إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ [١] قال : لما مات القاسم بمكة وإبراهيم بالمدينة قالت قريش : أصبح محمد صلّى اللّه عليه وسلّم أبتر، فغاظه ذلك، فنزلت : إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ [١] نعزيه ونعوضه الكوثر، وهو الحوض، تسقي من شئت بإذني، وتمنع من شئت بإذني. فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [٢- ٣] عن خير الدارين أجمع.
واللّه سبحانه وتعالى أعلم.
السورة التي يذكر فيها الكافرون
[سورة الكافرون (١٠٩) : الآيات ١ الى ٦]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (١) لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (٢) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (٣) وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (٤)
وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (٥) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (٦)
قوله تعالى : قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ [١] قال : إنّما ذكر : قُلْ [١] جوابا عن سؤال الكفار إياه :«اعبد إلهنا شهرا فنعبد إلهك سنة». فأنزل اللّه تعالى هذه السورة عند قولهم ذلك، يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ [١] قالوا : ما لك يا محمد. قال : لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ [٢] اليوم.
وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ [٣] اليوم. وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ [٤] في المستقبل. وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ [٥] في المستقبل. لَكُمْ [٦] اختياركم ل دِينُكُمْ وَلِيَ [٦] اختياري ل دِينِ [٦]، ثم نسختها آية السيف «٣»، واللّه سبحانه وتعالى أعلم.
________
(١) شعب الإيمان ٥/ ٣٣٦ والترغيب والترهيب ١/ ٢٣ والفردوس بمأثور الخطاب ٥/ ٢٧١ وفيض القدير ١/ ٢١٧ وجامع العلوم والحكم ص ١٦ ومجمع الزوائد ١٠/ ٢٢١.
(٢) نوادر الأصول ١/ ٩١ وشعب الإيمان ٥/ ٣٤٢- ٣٤٣ والفردوس بمأثور الخطاب ١/ ٤٣٥.
(٣) آية السيف هي الآية الخامسة من سورة التوبة. وهذه الآية قال فيها الضحاك بن مزاحم :(إنها نسخت كل عهد بين النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وبين أحد من المشركين، وكل عقد، وكل مدة). تفسير ابن كثير ٢/ ٣٥٠.


الصفحة التالية
Icon