العلم والإبصار عَنِ النَّعِيمِ عن اللهو والتنعم الذي شغلكم الالتذاذ به عن الدين وتكاليفه.
فإن قلت : ما النعيم الذي يسئل عنه الإنسان ويعاتب عليه؟ فما من أحد إلا وله نعيم؟ قلت :
هو نعيم من عكف همته على استيفاء اللذات، ولم يعش إلا ليأكل الطيب ويلبس اللين، ويقطع أوقاته باللهو والطرب، لا يعبأ بالعلم والعمل، ولا يحمل نفسه مشاقهما، فأما من تمتع بنعمة اللّه وأرزاقه التي لم يخلقها إلا لعباده، وتقوّى بها على دراسة العلم والقيام بالعمل، وكان ناهضا بالشكر : فهو من ذاك بمعزل، وإليه أشار رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيما يروى : أنه أكل هو وأصحابه تمرا وشربوا عليه ماء فقال :«الحمد للّه الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين» «١».
عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«من قرأ ألهاكم التكاثر لم يحاسبه اللّه بالنعيم الذي أنعم به عليه في دار الدنيا، وأعطى من الأجر كأنما قرأ ألف آية» «٢».
سورة العصر
مكية، وآياتها ٣ «نزلت بعد الشرح» بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة العصر (١٠٣) : الآيات ١ إلى ٣]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (٣)أقسم بصلاة العصر لفضلها، بدليل قوله تعالى : وَالصَّلاةِ الْوُسْطى صلاة العصر، في مصحف
(١). لم أجده هكذا. وفيه تخليط لعله من الناسخ. وهو يخرج من حديثين : أحدهما أخرجه النسائي وابن حبان والطبري وابن مردويه من حديث جابر قال «أكل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رطبا وشربوا ماء. فقال : هذا من النعيم الذي تسألون عنه» وروى أبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي من حديث أبى سعيد الخدري قال «كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا أكل طعاما قال : الحمد للّه الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين.
(٢). أخرجه الثعلبي والواحدي وابن مردويه باسنادهم إلى أبى بن كعب.