ج ٩، ص : ١٤٥
سورة الرّحمن
مكيّة وهى ثمان وسبعون اية وثلث ركوعات

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ ط جواب لقول الكفار وما الرحمن فذكر اللّه تعالى انه مولى النعم الدنيوية والاخروية كلها من بدء الخلق إلى ابد الآبدين على ما يقتضيه لفظ الرحمن المبنى على كمال المبالغة فى الرحمة وقدم فى الدّكر ما هو اصل النعم الدينية وأجلها وهو تنزيل القرآن وتعليمه فانه أساس الدين وفيه صلاح الدارين ثم ذكر بعده خلق الإنسان اشارة إلى ان الإنسان انما خلق لاجل تلقى القرآن ولذلك علمه البيان ولما كان اشراكهم وعبادتهم لغير اللّه تعالى وقولهم وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا دليلا على انكارهم آلاء اللّه تعالى كرر التوبيخ عليهم فى السورة احدى وثلثين مرة بعد ذكر بعض الآلاء ايقاظا وتنبيها واما بعد الوعيد على الكفران زجرا ومنعا عماهم عليه واما بعد الوعد لمن خاف مقام ربه وشكر نعمائه تحريضا وتطميعا وقيل هذه الآية رد لقول الكفار انما يعلمه بشر والمعنى انه لا يستطيع البشر على تعليم مثل هذا القرآن البليغ المعجز بل علمه الرحمن الذي هو المنعم بالنعم الدنيوية والاخروية كلها بمقتضى رحمة وهذا أجل النعم المفضى إلى صلاح الدارين رحمن مبتدا والجملة خبره.
خَلَقَ الْإِنْسانَ قال ابن عباس وقتادة يعنى آدم عليه السلام علمه البيان يعنى اسماء كل شىء علمه اللغات كلها فكان آدم يتكلم بسبعمائة الف لغة أفضلها العربية وقال أبو العالية والحسن المراد جنس الإنسان.
عَلَّمَهُ الْبَيانَ باللسان والكتابة والفهم والافهام حتى يتميز عن سائر الحيوانات وصار قابلا للوحى وتنزيل القرآن وقال السدى علم كل قوم لسانهم الذين يتكلمون به وجاز ان يقال خلق الإنسان يعنى محمدا ـ ﷺ ـ علمه البيان يعنى القرآن فيه بيان ما كان وما يكون من الأزل إلى الابد مطابقا لبيان من مضى من الرسل هداية للناس واية على نبوته كذا قال ابن كيسان فعلى هذا الجملتان الأخيرتان بيان وتفصيل للاولى ولهذا لم يورد العاطف بينها وكلها اخبار مترادفة للرحمن قيل ترك العاطف لكون كل منها مستقلا بالخبرية وقيل بمجيئا على نهج التحديد.
الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ الحسبان اما مصدر كفغران وسبحان وكقران ورجحان ونقصان من حسبت حسبانا أو جمع للحساب كالنسبان والركبان والمعنى الشمس والقمر يجريان بحساب مقدر معلوم فى منازلهم يتنسق بتلك امور الكائنات


الصفحة التالية
Icon