قد تقدم الكلام على الحروف المقطعة في أوائل السور، وقوله تعالى :﴿ رُّبَمَا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ ﴾ إخبار عنهم أنهم سيندمون على ما كانوا فيه من الكفر، ويتمنون لو كانوا في الدنيا مسلمين، ونقل السدي عن ابن عباس، أن كفار قريش لما عرضوا على النار تمنوا أن لو كانوا مسلمين، وقيل : المراد أن كل كافر يود عند احتضاره أن لو كان مؤمناً، وقيل : هذا إخبار عن يوم القيامة، كقوله تعالى :﴿ وَلَوْ ترى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النار فَقَالُواْ ياليتنا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ المؤمنين ﴾ [ الأنعام : ٢٧ ]، وقال بعضهم : يحبس الله أهل الخطايا من المسلمين مع المشركين في النار، قال : فيقول لهم المشركون : ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون في الدنيا، قال : فيغضب الله لهم بفضل رحمته، فيخرجهم، فذلك حين يقول :﴿ رُّبَمَا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ ﴾. وقال مجاهد : يقول أهل النار للموحدين : ما أغنى عنكم إيمانكم؟ فإذا قالوا ذلك قال الله : أخرجوا من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، فعند ذلك قوله :﴿ رُّبَمَا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ ﴾، وقد ورد في ذلك أحاديث مرفوعة، فقال الحافظ الطبراني، عن أنَس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :« إن ناساً من أهل لا إله إلا الله يدخلون النار بذنوبهم، فيقول لهم أهل اللات والعزى : ما أغنى عنكم قولكم :﴿ لاَ إله إِلاَّ الله ﴾ [ الصافات : ٣٥ ] وأنتم معنا في النار؟ فيغضب الله لهم، فيخرجهم فيلقيهم في نهر الحياة فيبرؤون من حرقهم، كما يبرأ القمر من خسوفه، ويدخلون الجنة ويسمون فيها الجهنميين ».
الحديث الثاني : عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :« » إذا اجتمع أهل النار في النار ومعهم من شاء الله من أهل القبلة، قال الكفار للمسلمين : ألم تكونوا مسلمين؟ قالوا : بلى، قالوا : فما أغنى عنكم الإسلام وقد صرتم معنا في النار؟ قالوا : كانت لنا ذنوب فأخذنا بها، فسمع الله ما قالوا، فأمر بمن كان في النار من أهل القبلة فأخرجوا، فلما رأى ذلك من بقي من الكفار قالوا : يا ليتنا كنا مسلمين فنخرج كما خرجوا - قال : ثم قرأ رسول الله ﷺ - أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :﴿ الر تِلْكَ آيَاتُ الكتاب وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ * رُّبَمَا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ ﴾ « وقوله :﴿ ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ ﴾ تهديد شديد لهم ووعيد أكيد، كقوله تعالى :﴿ قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النار ﴾ [ إبراهيم : ٣٠ ]، وقوله :﴿ كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُّجْرِمُونَ ﴾ [ المرسلات : ٤٦ ]، ولهذا قال :﴿ وَيُلْهِهِمُ الأمل ﴾ أي عن التوبة والإنابة ﴿ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ أي عاقبة أمرهم.