قد تقدم الكلام على الحروف المقطعة في أول سورة البقرة بما أغنى عن إعادته.
روي عن ابن عباس قال :﴿ طه ﴾ يا رجل، وهكذا روي عن مجاهد وعكرمة والضحّاك، وأسند القاضي عياض في كتابه « الشفاء » عن الربيع بن أنَس، قال : كان النبي ﷺ إذا صلى قام على رجل ورفع الأخرى، فأنزل الله تعالى :﴿ طه ﴾ يعني طأ الأرض يا محمد ﴿ مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ القرآن لتشقى ﴾ ثم قال : ولا يخفى ما في هذا من الإكرام وحسن المعاملة، وقوله :﴿ مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ القرآن لتشقى ﴾ قال الضحّاك : لما أنزل الله القرآن على رسوله ﷺ قام به هو وأصحابه، فقال المشركون من قريش : ما أنزل هذا القرآن على محمد إلاّ ليشقى، فأنزل الله تعالى :﴿ طه * مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ القرآن لتشقى * إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يخشى ﴾ فليس الأمر كما زعمه المبطلون، بل من آتاه العلم فقد أراد به خيراً كثيراً، كما ثبت في « الصحيحين » عن معاوية قال، قال رسول الله ﷺ :« من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين » وما أحسن الحديث الذي رواه الحافظ الطبراني، عن ثعلبة بن الحكم، قال، قال رسول الله ﷺ :« يقول الله تعالى للعلماء يوم القيامة إذا قعد على كرسيه لقضاء عباده، إني لم أجعل علمي وحكمتي فيكم إلاّ وأنا أريد أن أغفر لكم على ما كان منكم ولا أبالي » وقال مجاهد في قوله ﴿ مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ القرآن لتشقى ﴾ هي كقوله :﴿ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] وكانوا يعلقون الحبال بصدورهم في الصلاة. وقال قتادة : لا والله ما جعله شقاء ولن جعله رحمة ونوراً، ودليلاً إلى الجنة ﴿ إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يخشى ﴾ أن الله أنزل كتابه وبعث رسوله رحمة رحم بها عباده ليتذكر ذاكر، وينتفع رجل بما سمع من كتاب الله، وهو ذكر أنزل الله في حلاله وحرامه، وقوله :﴿ تَنزِيلاً مِّمَّنْ خَلَقَ الأرض والسماوات العلى ﴾ أي هذا القرآن الذي جاءك يا محمد هو تنزيل من ربك، الذي خلق الأرض بانخفاضها وكثافتها، وخلق السماوات العلى في ارتفاعها ولطافتها، وقد جاء في الحديث الذي صححه الترمذي وغيره، أن سمك كل سماء مسيرة خمسمائة عام، وبعد ما بينها، والتي تليها مسيرة خمسمائة عام.
وقوله تعالى :﴿ الرحمن عَلَى العرش استوى ﴾ المسلك الأسلم طريقة السلف، وهو إمرار ما جاء في ذلك من الكتاب والسنّة من غير تكييف ولا تحريف، ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تمثيل، وقوله :﴿ لَهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثرى ﴾ أي الجميع ملكه وفي قبضته، وتحت تصرفه ومشيئته وإرادته وحكمه، وهو خالق ذلك ومالكه، وإلهه لا إله سواه، وقوله ﴿ وَمَا تَحْتَ الثرى ﴾ قال محمد بن كعب : أي ما تحت الأرض السابعة، ﴿ وَإِن تَجْهَرْ بالقول فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السر وَأَخْفَى ﴾ أي أنزل هذا القرآن الذي خلق الأرض والسماوات العلى الذي يعلم السر وأخفى، كما قال تعالى :