هذا تنبيه من الله عزَّ وجلَّ على اقتراب الساعة ودنوها. وأن الناس في غفلة عنها، أي لا يعملون لها ولا يستعدون من أجلها، روي عن النبي ﷺ ﴿ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ ﴾ قال :« في الدنيا ». وقال تعالى :﴿ أتى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ ﴾ [ النحل : ١ ]. وقال أبو العتاهية :
الناس في غفلاتهم... ورحا المنية تطحن
وروي عن عامر بن ربيعة أنه نزل به رجل من العرب، فأكرم عامر مثواه وكلم فيه رسول الله ﷺ، فجاءه الرجل فقال : إني استقطعت من رسول الله ﷺ واداياً في العرب، وقد أردت أن أقطع لك منه قطعة تكون لك ولعقبك من بعدك، فقال عامر : لا حاجة لي في قطعيتك نزلت اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا :﴿ اقترب لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ ﴾ ؛ ثم أخبر تعالى أنهم لا يصغون إلى الوحي الذي أنزل الله على رسوله، والخطابُ مع قريش ومن شابههم من الكفار فقال :﴿ مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ ﴾ أي جديد إنزاله ﴿ إِلاَّ استمعوه وَهُمْ يَلْعَبُونَ ﴾، كما قال ابن عباس : مالكم تسألون أهل الكتاب عما بأيديهم وقد حرَّفوه وبدلوه وزادوا فيه ونقصوا منه، وكتابكم أحدث الكتب بالله تقرأونه محضاً لم يُشَب. وقوله ﴿ وَأَسَرُّواْ النجوى الذين ظَلَمُواْ ﴾ أي قائلين فيما بينهم خفية ﴿ هَلْ هاذآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ﴾ يعنون رسول الله ﷺ يستبعدون كونه نبياً لأنه بشر مثلهم فكيف اختص بالوحي دونهم، ولهذا قال ﴿ أَفَتَأْتُونَ السحر وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ ﴾ أي أفتتبعونه فتكونون كمن يأتي السحر وهو يعلم أنه سحر، فقال تعالى مجيباً لهم عما افتروه واختلقوه من الكذب ﴿ قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ القول فِي السمآء والأرض ﴾ : أي الذي يعلم ذلك لا يخفى عليه خافية وهو الذي أنزل هذا القرآن المشتمل على خبر الأولين والآخرين، الذي لا يستطيع أحد أن يأتي بمثله إلا الذي يعلم السر في السماوات والأرض.
وقوله تعالى :﴿ وَهُوَ السميع العليم ﴾ أي السميع لأقوالكم العليم بأحوالكم، وفي هذا تهديد لهم ووعيد، وقوله :﴿ بَلْ قالوا أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افتراه ﴾، هذا إخبار عن تعنت الكفار وإلحادهم واختلافهم فيما يصفون به القرآن وحيرتهم فيه وضلالهم عنه، فتارة يجعلونه سحراً، وتارة يجعلونه شعراً، وتارة يجعلونه أضغاث أحلام، وتارة يجعلونه مفترى، كما قال :﴿ انظر كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأمثال فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً ﴾ [ الإسراء : ٤٨ ]، وقوله :﴿ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَآ أُرْسِلَ الأولون ﴾ يعنون كناقة صالح وآيات موسى وعيسى، وقد قال الله :﴿ وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بالآيات إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأولون ﴾ [ الإسراء : ٥٩ ] الآية : ولهذا قال تعالى :﴿ مَآ آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ ﴾ أي ما آتينا قرية من القرى التي بعث فيها الرسل آية على أيدي نبيها فآمنوا بها بل كانوا فأهلكناهم بذلك أفهؤلاء يؤمنون بالآيات لو رأوها دون أولئك؟ كلا، بل ﴿ إِنَّ الذين حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حتى يَرَوُاْ العذاب الأليم ﴾ [ يونس : ٩٦-٩٧ ] هذا كله، وقد شاهدوا من الآيات الباهرات والحجج القاطعات والدلائل البينات على يدي رسول الله ﷺ، ما هو أظهر وأجلى وأبهر وأقطع وأقهر مما شوهد مع غيره من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.


الصفحة التالية
Icon