يقول تعالى حامداً لنفسه الكريمة على ما نزله على رسوله الكريم من القرآن العظيم، كما قال تعالى :﴿ الحمد لِلَّهِ الذي أَنْزَلَ على عَبْدِهِ الكتاب ﴾ [ الكهف : ١ ]، وقال هاهنا :﴿ تَبَارَكَ ﴾ وهو تفاعل من البركة المستقرة الثابتة الدائمة، ﴿ الذي نَزَّلَ الفرقان ﴾ نّزل فعّل من التكرر والتكثر، كقوله :﴿ والكتاب الذي أَنزَلَ مِن قَبْلُ ﴾ [ النساء : ١٣٦ ] لأن الكتب المتقدمة كانت تنزل جملة واحدة، والقرآن نزل منجماً مفرقاً مفصلاً آيات بعد آيات، وأحكاماً بعد أحكام، وسوراً بعد سور، وهذا أشد وأبلغ وأشد اعتناء بمن أنزل عليه، كما قال في هذه السورة :﴿ وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ القرآن جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً ﴾ [ الفرقان : ٣٢ ] ولهذا سماه هاهنا الفرقان لأنه يفرق بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والغي والرشاد، والحلال والحرام، وقوله :﴿ على عَبْدِهِ ﴾ هذه صفة مدح وثناء، لأنه إضافه إلى عبوديته، كما وصفه بها في أشرف أحواله وهي ليلة الإسراء فقال :﴿ سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً ﴾ [ الإسراء : ١ ]، وكما وصفه بذلك في مقام الدعوة إليه ﴿ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ الله يَدْعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً ﴾ [ الجن : ١٩ ]، وقوله :﴿ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً ﴾ أي إنما خصه بهذا الكتاب المفصل العظيم المبين المحكم الذي ﴿ لاَّ يَأْتِيهِ الباطل مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [ فصلت : ٤٢ ] الذي جعله فرقاناً عظيماً ليخصه بالرسالة إلى من يستظل بالخضراء ويستقل على الغبراء، كما قال ﷺ :« بعثت إلى الأحمر والأسود »، وقال :« وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة »، كما قال تعالى :﴿ قُلْ ياأيها الناس إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ﴾ [ الأعراف : ١٥٨ ] الآية، وهكذا قال هاهنا :﴿ الذي لَهُ مُلْكُ السماوات والأرض وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ ﴾ ونزه نفسه عن الولد وعن الشريك، ثم أخبر أنه ﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً ﴾ أي كل شيء مما سواه مخلوق مربوب، وهو خالق كل شيء وربه، ومليكه وإلهه، وكل شيء تحت قهره وتدبيره وتسخيره وتقديره.


الصفحة التالية
Icon