قد تقدم الكلام على الحروف المقطعة. وقوله :﴿ تِلْكَ ﴾ أي هذه ﴿ آيَاتُ الكتاب المبين ﴾ أي الواضح الجلي الكاشف عن حقائق الأمور وعلم ما قد كان وما هو كائن، وقوله :﴿ نَتْلُواْ عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ موسى وَفِرْعَوْنَ بالحق ﴾ أي نذكر لك الأمر على ما كان عليه كأنك تشاهد وكأنك حاضر، ثم قال تعالى ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأرض ﴾ أي تكبر وتجبر وطغى، ﴿ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً ﴾ أي أصنافاً قد صرف كل صنف فيما يريد من أمور دولته، وقوله تعالى :﴿ يَسْتَضْعِفُ طَآئِفَةً مِّنْهُمْ ﴾ يعني بني إسرائيل، وكانوا في ذلك الوقت خيار أهل زمانهم، هذا وقد سلط عليهم هذا الملك الجبار العنيد يستعملهم في أخس الأعمال، ويقتل مع هذا أبناءهم، ويستحيي نسائهم، إهانة لهم واحتقاراً وخوفاً من أن يوجد منهم غلام يكون سبب هلاكه وذهاب دولته على يديه، فاحترز فرعون من ذلك، وأمر بقتل ذكور بني إسرائيل، ولن ينفع حذر من قدر لأن أجل الله إذا جاء لا يؤخر ولكل أجل كتاب، ولهذا قال تعالى :﴿ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الذين استضعفوا فِي الأرض ﴾ إلى قوله ﴿ يَحْذَرُونَ ﴾ وقد فعل تعالى ذلك بهم، كما قال تعالى :﴿ وَأَوْرَثْنَا القوم الذين كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ ﴾ [ الأعراف : ١٣٧ ] إلى قوله ﴿ يَعْرِشُونَ ﴾ [ الأعراف : ١٣٧ ]، وقال تعالى :﴿ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بني إِسْرَائِيلَ ﴾ [ الشعراء : ٥٩ ] أراد فرعون بحوله وقوته أن ينجو من موسى، فما نفعه ذلك مع قدرة الإله العظيم الذي لا يخالف أمره ولا يغلب، بل نفذ حكمه في القدم بأن يكون هلاك فرعون على يديه، بل يكون هذا الغلام الذي احترزت من وجوده وقتلت بسببه ألوفاً من الولدان، إنما منشؤه ومرباه على فراشك، وفي دارك وغذاؤه من طعامك، وأنت تربية وتدلله وتتفداه وحتفك وهلاكك وهلاك جنودك على يديه، لتعلم أن رب السماوات العلا هو القاهر الغالب العظيم، القوي العزيز الشديد المحال الذي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.


الصفحة التالية
Icon