نزلت هذه الآيات حين غالب الفرس على بلاد الشام، وما والاها من بلاد الجزيرة وأقاصي بلاد الروم، فاضطر ملك الروم حتى لجأ إلى القسطنطينية وحوصر فيها مدة طويلة، ثم عادت الدولة لهرقل كما سيأتي. عن بن عباس رضي الله عنهما قال :« كان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم لأنهم أصحاب أوثان، وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس، لأنهم أهل الكتاب، فذكر لأبي بكر، فذكره أبو بكر لرسول الله ﷺ، فقال رسول الله ﷺ :» إما إنهم سيلغبون «، فذكره أبو بكر لهم، فقالوا : اجعل بيننا وبينك أجلاً، فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا، وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا، فجعل أجل خمس سنين، فلم يظهروا، فذكر ذلك أبو بكر لرسول الله ﷺ فقال :» ألا جعلتها إلى دون العشر؟ « » ثم ظهرت الروم بعد، قال فذلك قوله :﴿ الم * غُلِبَتِ الروم * في أَدْنَى الأرض وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ﴾. حديث آخر : عن مسروق قال، قال عبد الله : خمس قد مضين : الدخان، واللزام، والبطشة، والقمر، والروم. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال :« كانت فارس ظاهرة على الروم، وكان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم، وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس، لأنهم أهل كتاب، وهم أقر إلى دينهم، فلما نزلت :﴿ الم * غُلِبَتِ الروم * في أَدْنَى الأرض وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِين ﴾ قالوا : يا أبا بكر إن صاحبك يقول : إن نقامرك، فبايعوه على أربع قلائص إلى سبع سنين فمضت السبع، ولم يكن شيء، ففرح المشركون بذلك، فشق على المسلمين فذكر ذلك للنبي ﷺ فقال :» ما بضع سنين عندكم «؟ قالوا : دون العشر، قال :» اذهب فزايدهم وازدد سنتين في الأجل « قال : فما مضت السنتان حتى جاءت الركبان بظهور الروم على فارس، ففرح المؤمنون بذلك » وأنزل الله تعالى :﴿ الم * غُلِبَتِ الروم ﴾ إلى قوله ﴿ وَعْدَ الله لاَ يُخْلِفُ الله وَعْدَهُ ﴾.
وقال عكرمة :« لقي المشركون أصحاب النبي ﷺ إنكم أهل كتاب، والنصارى أهل كتاب، ونحن أميون وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل الكتاب، وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرن عليكم، فأنزل الله تعالى :﴿ الم * غُلِبَتِ الروم ﴾ إلى قوله ﴿ يَنصُرُ مَن يَشَآءُ ﴾ فخرج أبو بكر الصدّيق إلى الكفار فقال : أفرحتم بظهور إخوانكم على إخواننا، فلا تفرحوا ولا يقرن الله أعينكم، فوالله ليظهرن الله الروم على فارس، أخبرنا بذلك نبينا ﷺ، فقام إليه ( أبي بن خلف ) فقال : كذبت يا أبا فضيل، فقال له أبو بكر : أنت أكذب يا عدو الله، فقال : أناجيك عشر قلائص من وعشر قلائص منك، فإن ظهرت الروم على فارس غرمت، وإن ظهرت فارس غرمت إلى ثلاث سنين، ثم جاء أبو بكر إلى النبي ﷺ فأخبره فقال :» ما هكذا ذكر إنما البضع ما بين الثلاث إلى التسع فزايده في الخطر، ومادَّه في الأجل «، فخرج أبو بكر، فلقي أبياً فقال : لعلك ندمت؟ فقال : لا، تعال أزايدك في الخطر وأمادك في الأجل، فاجعلها مائة قلوص إلى تسع سنين، قال : قد فعلت، فظهرت الروم على فارس قبل ذلك فغلبهم المسلمون ».


الصفحة التالية
Icon