وَبَشِّر الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ اَنَّ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الانْهَارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قَالُوا هَذاَ الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَاُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها اَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ ٢٥
فاعلم! ان نظم هذه الآية كأخواتها بثلاثة وجوه: نظم المجموع بما قبله، والجمل بعضها مع بعض، والهيئات.
أما الأول: فاعلم! ان لمآلها ارتباطات متفاوتة مع الآيات السابقة، وخطوطا ممتدة بالاختلاف الى الجمل السالفة. ألا ترى ان القرآن الكريم لما أثنى في رأس السورة على نفسه وعلى المؤمنين بالايمان والعمل الصالح كيف أشار بهذه الآية الى نتيجة الايمان وثمرة العمل الصالح.. وكذا لما ذم الكفار وشنع على المنافقين وبين طريقهم المنجر الى الشقاوة الأبدية لوّح بهذه الآية الى نور السعادة الأبدية، فأراهم ليزيدوا حسرة على حسرة بفوات هذه النعمة العظمى.. ثم لما كلف بـ (يا ايها الناس اعبدوا) - مع ان في التكليف مشقة وكلفة وترك اللذائذ العاجلة - فتح لهم ابواب الآجلة؛ فاراهم بهذه الآية تطمينا لنفوسهم وتأمينا لهم.. ثم لما اثبت التوحيد - الذي هو أول اركان الايمان الذي هو أساس التكليف - صرح في هذه الآية بثمرة التوحيد وعنوان الرحمة وديباجة الرضاء بإراءة الجنة والسعادة الأبدية.. ثم لما أثبت النبوّة - ثانية أركان الايمان - بالاعجاز بقوله (وان كنتم في ريب).. الخ، أشار بهذه مع المطوي قبلها الى وظيفة النبوّة ومكلفية النبيّ وهي: الإِنذار والتبشير بلسان القرآن.. ثم لما اوعد وأرهب وانذر في سابقتها القريبة وعد ورغب وبشّر بهذه الآية بسر ان التضاد مناسبة.. وأيضاً ان الذي يُطيع ١ النفسَ، ويديم الاطاعة ويصيّر الوجدان مطيعا لحكم العقل؛ تهييجُ حسّ الخوف وحسّ الشوق معا بجمع الترغيب والترهيب؛ اذ حكم العقل وامره موقّت فلابد من وجود محرك آمر دائميّ في الوجدان.. وكذا لما أشار بالسابقة الى احد شقي الآخرة كمل بهذه الآية الشق الآخر وهو منبع السعادة الابدية.. وكذا لما لوح هناك بالنار الى جهنم صرح هنا بالجنة.