يخبر تعالى أن تنزيل هذا الكتاب وهو ( القرآن العظيم ) من عنده تبارك وتعالى، فهو الحق الذي لا مرية فيه ولا شك كما قال عزّ وجلّ :﴿ وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ العالمين ﴾ [ الشعراء : ١٩٢ ]، وقال تعالى :﴿ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [ فصلت : ٤٢ ]، وقال ها هنا ﴿ تَنزِيلُ الكتاب مِنَ الله العزيز ﴾ أي المنيع الجناب ﴿ الحكيم ﴾ أي في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره، ﴿ إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الكتاب بالحق فاعبد الله مُخْلِصاً لَّهُ الدين ﴾ أي فاعبد الله وحد لا شريك له وادع الخلق إلى ذلك، وأعلمهم أنه لا تصلح العبادة إلا له وحده، ولهذا قال تعالى :﴿ أَلاَ لِلَّهِ الدين الخالص ﴾ أي لا يقبل من العمل إلا ما أخلص فيه العامل لله وحده لا شريك له، وقال قتادة ﴿ أَلاَ لِلَّهِ الدين الخالص ﴾ : شهادة أن لا إله إلا الله، ثم أخبر عزّ وجلّ عن عباد الأصنام من المشركين أنهم يقولون :﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى الله زلفى ﴾ أي إنما يحملهم على عبادتهم لهم أنهم عمدوا إلى أصنام، اتخذوها على صورة الملائكة المقربين في زعمهم، فعبدوا تلك الصور تنزيلاًَ لذلك منزلة عبادتهم الملائكة، ليشفعوا لهم عند الله تعالى، فأما المعاد فكانوا جاحدين له كافرين به، قال قتادة والسدي :﴿ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى الله زلفى ﴾ أي ليشفعوا لنا ويقربونا عنده منزلة، ولهذا كانوا يقولون في تلبيتهم إذا حجوا في جاهلتيهم :« لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه، وما ملك »، وهذه الشبهة هي التي اعتمدها المشركون في قديم الدهر وحديثه، وجاءتهم الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين بردها والنهي عنها، والدعوة إلى إفراد العبادة لله وحده لا شريك له، وأن هذا شيء اخترعه المشركون من عند أنفسهم، لم يأذن الله فيه، ولا رضي به، بل أبغضه، ونهى عنه كما قال تعالى :﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ﴾ [ النحل : ٣٦ ]، وقال تعالى :﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نوحي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إله إِلاَّ أَنَاْ فاعبدون ﴾ [ الأنبياء : ٢٥ ]، وأخبر الملائكة التي في السماوات، كلهم عبيد خاضعون لله، لا يشفعون عنده إلا بإذنه لمن ارتضى، وليسوا عنده كالأمراء عند ملوكهم، يشفعون عندهم بغير إذنهم ﴿ فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ الأمثال ﴾ [ النحل : ٧٤ ] تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
وقوله عزّ وجلّ :﴿ إِنَّ الله يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ ﴾ أي يوم القيامة ﴿ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ أي سيفصل بين الخلائق يوم معادهم، ويجزي كل عامل بعمله، ﴿ إِنَّ الله لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ﴾ أي لا يرشد إلى الهداية، من قصده الكذب والافتراء على الله تعالى، وقلبه كافر بآياته وحججه وبراهنيه، ثم بيَّن تعالى أنه لا ولد له كما يزعمه جهلة المشركين في الملائكة، و المعاندون من اليهود والنصارى في العزيز وعيسى، فقال تبارك وتعالى :﴿ لَّوْ أَرَادَ الله أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لاصطفى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ ﴾ أي لكان الأمر على خلاف ما يزعمون، وهذا شرط لا يلزم وقوعه ولا جوازه بل هو محال، وإنما قصد تجهيلهم فيما ادعوه وزعموه كما قال عزّ وجلّ :