يقسم تعالى بالسماء وبروجها وهي النجوم العظام، قال ابن عباس : البروج النجوم، وقال يحيى بن رافع : البروج قصور في السماء، وقال المنهال بن عمرو :﴿ والسمآء ذَاتِ البروج ﴾ الخلق الحسن، واختبار ابن جرير أنها منازل الشمس والقمر، وهي اثنتا عشر برجاً تسير الشمس في كل واحد منها شهراً، ويسير القمر في كل واحد منهما يومين وثلثا، فذلك ثمانية وعشرون منزلة ويستسر ليلتين، وقوله تعالى :﴿ واليوم الموعود * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ﴾ اختلف المفسرون في ذلك فروي عن أبي هريرة مرفوعاً ﴿ واليوم الموعود ﴾ يوم القيامة، ﴿ وَشَاهِدٍ ﴾ يوم الجمعة، ﴿ وَمَشْهُودٍ ﴾ يوم عرفة. روى الإمام أحمد، عن أبي هريرة أنه قال في هذه الآية ﴿ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ﴾ قال :« الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة، والموعود يوم القيامة » وعن سعيد بن المسيب أنه قال، قال رسول الله ﷺ :« إن سيد الأيام يوم الجمعة، وهو الشاهد، والمشهود يوم عرفة »، وروى ابن جرير عن ابن عباس قال : الشاهد هو محمد ﷺ، والمشهود يوم القيامة. ثم قرأ :﴿ ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ]. وسأل رجل الحسن بن علي عن ﴿ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ﴾ فقال : سألت أحداً قبلي؟ قال : نعم، سألت ابن عمر وابن الزبير فقالا : يوم الذبح ويوم الجمعة، فقال : لا، ولكن الشاهد محمد ﷺ، ثم قرأ :﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هؤلاء شَهِيداً ﴾ [ النساء : ٤١ ] والمشهود يوم القايمة، ثم قرأ :﴿ ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ] وهكذا قال الحسن البصري، وقال مجاهد والضحّاك : الشاهد ابن آدم، والمشهود يوم القيامة؛ وعن عكرمة : الشاهد محمد ﷺ، والمشهود يوم الجمعة، وقال ابن عباس : الشاهد الله، والمشهود يوم القيامة، وقال ابن أبي حاتم عن مجاهد عن ابن عباس ﴿ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ﴾ قال : الشاهد الإنسان، والمشهود يوم الجمعة، وقال ابن جرير، عن ابن عباس :﴿ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ﴾ الشاهد يوم عرفة، والمشهود يوم القيامة، قال ابن جرير : وقال آخرون :﴿ المشهود ﴾ يوم الجمعة، لحديث أبي الدرداء قال، قال رسول الله صلى الله ﷺ :« أكثروا من الصلاة يوم الجمعة، فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة »، وعن سعيد بن جبير :« الشاهد الله، وتلا :﴿ وكفى بالله شَهِيداً ﴾ [ النساء : ٧٩، ١١٦، الفتح : ٢٨ ] والمشهود نحن، وقال الأكثرون على أن الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة.
وقوله تعالى :﴿ قُتِلَ أَصْحَابُ الأخدود ﴾ أي لعن أصحاب الأُخدود، وجمعه أخاديد وهي الحفر في الأرض، وهذا خبر عن قوم من الكفار عمدوا إلى ما عندهم من المؤمنين بالله عزَّ وجلَّ فقهروهم، وأرادوهم أن يرجعوا عن دينهم فأبوا ع ليهم، فحفروا لهم في الأرض أُخدوداً، وأججوا فيه ناراً، وأعدوا لها وقوداً يسعرونها به، ثم أرادوهم فلم يقبلوا منهم، فقذفوهم فيها، ولهذا قال تعالى :﴿ قُتِلَ أَصْحَابُ الأخدود * النار ذَاتِ الوقود * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ على مَا يَفْعَلُونَ بالمؤمنين شُهُودٌ ﴾ أي مشاهدون لما يفعل بأولئك المؤمنين * قال الله تعالى :﴿ وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بالله العزيز الحميد ﴾ أي وما كان لهم عندهم ذنب إلاّ إيمانهم بالله ﴿ العزيز ﴾ الذي يضام من لاذ بجنابه، ﴿ الحميد ﴾ فلي جميع أقواله وأفعاله وشرعه وقدره، ثم قال تعالى :﴿ الذي لَهُ مُلْكُ السماوات والأرض ﴾ من تمام الصفة أنه المالك لجميع السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما، ﴿ والله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ أي لا يغيب عنه شيء في جميع السماوات والأرض، ولا تخفى عليه خافية، وقد اختلف أهل التفسير في أهل هذه القصة من هم؟ فعن علي أنهم أهل فارس، حين أراد ملكهم تحليل تزويج المحارم فامتنع عليه علماؤهم، فعمد إلى حفر أُخدود، فقذف فيه من أنكر عليه منهم، واستمر فيهم تحليل المحارم إلى اليوم.


الصفحة التالية
Icon