اختلف المفسرون هاهنا على أقوال كثيرة فقيل : المراد بالتين دمشق، وقيل : الجبل الذي عندها، وقال القرطبي : هو مسجد أصحاب الكهف، وروي عن ابن عباس : أنه مسجد نوح الذي على الجودي، وقال مجاهد : هو تينكم هذا ﴿ والزيتون ﴾ قال قتادة : هو مسجد بيت المقدس، وقال مجاهد وعكرمة : هو هذا الزيتون الذي تعصرون، ﴿ وَطُورِ سِينِينَ ﴾ هو الجبل الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام، ﴿ وهذا البلد الأمين ﴾ يعني مكة، قاله ابن عباس ومجاهد، وقال بعض الائمة : هذه محال ثلاثة، بعث الله في كل واحد منها نبياً مرسلاً من أولي العزم، أصحاب الشرائع الكبار. ( فالأول ) محله التين والزيتون وهي ( بيت المقدس ) التي بعث الله فيها عيسى ابن مريم عليه السلام، ( والثاني ) طور سينين وهو ( طور سيناء ) الذي كلم الله عليه موسى بن عمران، ( والثالث ) مكة وهو ( البلد الأمين ) الذي من دخله كان آمناً، وهو الذي أرسل فيه محمداً ﷺ، قالوا : وفي آخر التوراة ذكر هذه الأماكن الثلاثة : جاء الله من طور سيناء - يعني الذي كلم الله عليه موسى بن عمران - وأشرق من ساعير - يعني جبل المقدس الذي بعث الله منه عيسى - واستعلن من جبال فاران - يعني جبال مكة التي أرسل الله منها محمداً ﷺ، فذكرهم مخبراً عنهم على الترتيب الوجودي، بحسب ترتيبهم في الزمان، ولهذا أقسم بالأشراف ثم الأشراف منه، ثم بالأشراف منهما، وقوله تعالى :﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ هذه هو المقسم عليه، وهو أنه تعالى خلق الإنسان في أحسن صورة وشكل؛ منتصب القامة، سويّ الأعضاء حسنها. ﴿ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ﴾ أي إلى النار. أي بعد هذا الحسن والنضارة، مصيره إلى النار إن لم يطع اله ويتبع الرسل، ولهذا قال :﴿ إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات ﴾، وقال بعضهم :﴿ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ﴾ أي إلى أرذل العمر. واختار ذلك ابن جرير، ولو كان هذا هو المراد لما حسن استثناء المؤمنين من ذلك، لأن الهرم قد يصيب بعضهم، وإنما المراد ما ذكرناه كقوله تعالى :﴿ والعصر * إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ * إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات ﴾ [ العصر : ١-٣ ]، وقوله :﴿ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ﴾ أي غير مقطوع، ثم قال :﴿ فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ ﴾ أي يا ابن آدم ﴿ بالدين ﴾ ؟ أي بالجزاء في المعاد، ولقد علمت البدأة وعرفت أن من قدر على البدأة فهو ق در على الرجعة بطريق الأولى : فأي شيء يحملك على التكذيب بالمعاد وقد عرفت هذا؟ روى ابن أبي حاتم عن منصور قال : قلت لمجاهد :﴿ فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بالدين ﴾ عنى به النبي ﷺ ؟ قال :« معاذ الله » عنى به الإنسان، وقوله تعالى :﴿ أَلَيْسَ الله بِأَحْكَمِ الحاكمين ﴾ أي أما هو أحكم الحاكمين الذي لا يجور ولا يظلم أحداً، ومن عدله أن يقيم القيامة فينتصف للمظلوم في الدنيا ممن ظلمه، وقد قدمنا في حديث أبي هريرة مرفوعاً : فإذا قرأ أحدكم والتين والزيتون فأتى على آخرها ﴿ أَلَيْسَ الله بِأَحْكَمِ الحاكمين ﴾ فليقل : بلى وأنا على ذلك من الشاهدين.