﴿وَكفى بِاللَّه شَهِيدا (١٦٦) إِن الَّذين كفرُوا وصدوا عَن سَبِيل الله قد ضلوا ضلالا بَعيدا (١٦٧) إِن الَّذين كفرُوا وظلموا لم يكن الله ليغفر لَهُم وَلَا ليهديهم طَرِيقا (١٦٨) إِلَّا طَرِيق جَهَنَّم خَالِدين فِيهَا أبدا وَكَانَ ذَلِك على الله يَسِيرا (١٦٩) يَا أَيهَا النَّاس قد جَاءَكُم﴾
قَوْله - تَعَالَى - ﴿لَكِن الله يشْهد بِمَا أنزل إِلَيْك﴾ سَبَب نزُول الْآيَة: أَن قوما من عُلَمَاء الْيَهُود حَضَرُوا عِنْد النَّبِي، فَقَالَ لَهُم: " أَنْتُم تعلمُونَ أَنى رَسُول الله؟ فَقَالُوا: لَا نعلم ذَلِك؛ فَنزل قَوْله: ﴿لَكِن الله يشْهد بِمَا أنزل إِلَيْك أنزلهُ بِعِلْمِهِ﴾ " أَي: مَعَ علمه، كَمَا يُقَال: جَاءَنِي فلَان بِسَيْفِهِ، أَي: مَعَ سَيْفه، وَفِيه دَلِيل على أَن لله علما، هُوَ صفته، خلاف قَول الْمُعْتَزلَة خذلهم الله.
﴿وَالْمَلَائِكَة يشْهدُونَ وَكفى بِاللَّه شَهِيدا﴾ فَإِن قيل: إِذا شهد الله لَهُ بالرسالة، فَأَي حَاجَة إِلَى شَهَادَة الْمَلَائِكَة؟ قيل: لِأَن الَّذين حَضَرُوا عِنْد النَّبِي، كَانَ عِنْدهم أَنهم عُلَمَاء الأَرْض؛ فَقَالُوا: نَحن عُلَمَاء الأَرْض، وَنحن ننكر رِسَالَتك، فَقَالَ الله تَعَالَى: إِن أنكرهُ عُلَمَاء الأَرْض، يشْهد بِهِ عُلَمَاء السَّمَاء، وهم الْمَلَائِكَة، على مُقَابلَة زعمهم وظنهم؛ لَا للْحَاجة إِلَى شَهَادَتهم؛ فَإِنَّهُ قَالَ: ﴿وَكفى بِاللَّه شَهِيدا﴾.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿إِن الَّذين كفرُوا وصدوا عَن سَبِيل الله﴾ صدهم عَن سَبِيل الله كَانَ بكتمان نعت مُحَمَّد ﴿قد ضلوا ضلالا بَعيدا﴾ أَي: هَلَكُوا، والضلال: الْهَلَاك.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿إِن الَّذين كفرُوا وظلموا﴾ فَإِن قَالَ قَائِل: أَي معنى لقَوْله: ﴿وظلموا﴾ وَقد قَالَ: ﴿كفرُوا﴾ وظلمهم كفرهم؟ قيل: مَعْنَاهُ: كفرُوا بِاللَّه، وظلموا مُحَمَّدًا بكتمان نَعته.
وَقيل: ذكره تَأْكِيدًا ﴿لم يكن الله ليغفر لَهُم﴾ فِي هَذَا إِشَارَة إِلَى أَن الله - تَعَالَى - لَو غفر للْكَافِرِينَ أجمع، كَانَ يسع ذَلِك رَحمته، لكنه قطع القَوْل بِأَن لَا يغْفر لَهُم،


الصفحة التالية
Icon