﴿النَّاس وَمَا أنزل الله من السَّمَاء من مَاء فأحيا بِهِ الأَرْض بعد مَوتهَا وَبث فِيهَا من كل دَابَّة وتصريف الرِّيَاح والسحاب المسخر بَين السَّمَاء وَالْأَرْض لآيَات لقوم﴾
وَقَوله تَعَالَى: ﴿والفلك الَّتِي تجْرِي فِي الْبَحْر بِمَا ينفع النَّاس﴾ والفلك: اسْم للْجمع والواحدان فَإِذا أُرِيد بِهِ الْجمع يؤنث، وَإِذا أُرِيد بِهِ الْوَاحِد يذكر، وَقد ورد بالصيغتين فِي الْقُرْآن، وَالْمرَاد هَا هُنَا الْجمع.
وَالْآيَة فِي الْفلك تسخيره [وجريها] على وَجه المَاء. وَهِي موفرة مثقلة لَا ترسب تَحت المَاء بل تعلو على وَجه المَاء.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمَا أنزل الله من السَّمَاء من مَاء﴾ قيل: إِن الله تَعَالَى يخلق المَاء فِي السَّحَاب، فعلى هَذَا؛ السَّمَاء هَا هُنَا بِمَعْنى السَّحَاب. وَقيل: بل يخلق المَاء فِي السَّمَاء، وَمن السَّمَاء ينزل إِلَى السَّحَاب ثمَّ من السَّحَاب ينزل إِلَى الأَرْض.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿فأحيا بِهِ الأَرْض بعد مَوتهَا﴾ أَي: بعد يبسها وجدوبتها. فَإِن الأَرْض إِذا أجدبت فقد مَاتَت. وَإِذا أخصبت فقد حييت.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿وَبث فِيهَا من كل دَابَّة﴾ أَي: فرق فِيهَا. وَقَوله: ﴿وتصريف الرِّيَاح﴾ قيل: تصريفها أَن الرِّيَاح تَارَة تكون شمالا وَتارَة تكون جنوبا، وَتارَة تكون قبولا، وَتارَة تكون دبورا، وَتارَة نكباء، والنكباء: فَهِيَ الَّتِي لَا تعرف لَهَا جِهَة.
وَقيل: تصريفها: أَن الرّيح تَارَة تكون لينًا، وَتارَة عاصفا، وَتارَة حارة، وَتارَة بَارِدَة.
قَالَ ابْن عَبَّاس: أعظم جنود الله الرّيح وَالْمَاء. وَقَالَ ابْن الْمُبَارك: للريح جَنَاحَانِ، والسحاب: غلاف مَمْلُوء نت المَاء.
وَفِي مصحف حَفْصَة (وتصريف الْأَرْوَاح) وَهُوَ قريب من الرِّيَاح. وَسميت الرّيح ريحًا؛ لِأَنَّهَا تريح النَّفس.
قَالَ شُرَيْح القَاضِي: مَا هبت ريح إِلَّا لشفاء سقيم أَو لسقم صَحِيح.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿والسحاب المسخر﴾ أَي: الْمُذَلل ﴿بَين السَّمَاء وَالْأَرْض لآيَات لقوم يعْقلُونَ﴾.