﴿الساجدين (٣١) قَالَ يَا إِبْلِيس مَا لَك أَلا تكون مَعَ الساجدين (٣٢) قَالَ لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون (٣٣) قَالَ فَاخْرُج مِنْهَا فَإنَّك رجيم (٣٤) وَإِن عَلَيْك اللَّعْنَة إِلَى يَوْم الدّين (٣٥) قَالَ رب فأنظرني إِلَى يَوْم يبعثون (٣٦) ﴾ ﴿قَالَ يَا إِبْلِيس مَا لَك أَلا تكون مَعَ الساجدين﴾ مَعْنَاهُ: لم لم تسْجد وَقد أَمرتك؟
قَوْله: ﴿قَالَ لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون﴾ مَعْنَاهُ: أَنِّي أفضل مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ طيني، وَأَنا نَارِي، وَالنَّار تَأْكُل الطين.
وَفِي بعض الْآثَار: " أَن الله تَعَالَى خلق الْمَلَائِكَة من نور الْعِزَّة، وَخلق الجآن من النَّار، وَخلق آدم من التُّرَاب ".
فَإِن قَالَ: إِذا كَانَ عنْدكُمْ أَن إِبْلِيس من الْمَلَائِكَة، وَقد خلقُوا من النُّور، فَكيف قَالَ إِبْلِيس خلقتني من نَار؟
الْجَواب عَنهُ: أَن إِبْلِيس كَانَ من قَبيلَة من الْمَلَائِكَة خلقُوا من النَّار، وَقد ذكرنَا فِي سُورَة الْبَقَرَة.
قَوْله: ﴿قَالَ فَاخْرُج مِنْهَا فَإنَّك رجيم وَإِن عَلَيْك اللَّعْنَة إِلَى يَوْم الدّين﴾ ظَاهر الْمَعْنى، وَيُقَال: إِن إِبْلِيس مَلْعُون السَّمَاء وَالْأَرْض، وَإِن أهل السَّمَاء يلعنونه، كَمَا أَن أهل الأَرْض يلعنونه.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالَ رب فأنظرني إِلَى يَوْم يبعثون﴾ أَي: فأمهلني إِلَى يَوْم الْبَعْث، وَأَرَادَ الملعون أَلا يَمُوت؛ فَأَجَابَهُ الله تَعَالَى وَقَالَ:
﴿إِنَّك من المنظرين إِلَى يَوْم الْوَقْت الْمَعْلُوم﴾ أَي: الْوَقْت الَّذِي يَمُوت فِيهِ الْخَلَائق، وَيُقَال: إِن مُدَّة موت إِبْلِيس أَرْبَعُونَ سنة، وَهُوَ مَا بَين النفختين. وَقَالَ أهل الْمعَانِي: إِن إِبْلِيس لما سَأَلَ الْإِمْهَال لم تكن إِجَابَة الله إِيَّاه كَرَامَة لَهُ، بل كَانَت زِيَادَة لَهُ فِي شقائه وبلائه.