﴿من كفر بِاللَّه من بعد إيمَانه إِلَّا من أكره وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان وَلَكِن من شرح بالْكفْر صَدرا فَعَلَيْهِم غضب من الله وَلَهُم عَذَاب عَظِيم (١٠٦) ذَلِك بِأَنَّهُم استحبوا الْحَيَاة الدُّنْيَا على الْآخِرَة وَأَن الله لَا يهدي الْقَوْم الْكَافرين (١٠٧) أُولَئِكَ الَّذين طبع الله على قُلُوبهم وسمعهم وأبصارهم وَأُولَئِكَ هم الغافلون (١٠٨) لَا جرم أَنهم فِي الْآخِرَة هم﴾ : الْكَذِب مُجَانب للْإيمَان.
قَوْله تَعَالَى: ﴿من كفر بِاللَّه من بعد إيمَانه﴾ نزلت الْآيَة فِي عمار بن يَاسر - رَضِي الله عَنهُ - أَخذه الْمُشْركُونَ، وأكرهوه على سبّ النَّبِي فطاوعهم فِي بعض القَوْل، ثمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِي، فَقَالَ لَهُ النَّبِي: " مَا وَرَاءَك؟ فَقَالَ: شَرّ يَا رَسُول الله، لم يتركني الْكفَّار حَتَّى نلْت مِنْك، وَذكرت آلِهَتهم بِخَير، فَقَالَ: وَكَيف وجدت قَلْبك؟ فَقَالَ: مطمئنا بِالْإِيمَان؛ فَقَالَ: إِن عَادوا فعد؛ فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة " وَتَقْدِير الْآيَة: من كفر بِاللَّه من بعد إيمَانه فَعَلَيْهِم غضب من الله وَلَهُم عَذَاب أَلِيم إِلَّا من أكره، وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان ﴿وَلَكِن من شرح بالْكفْر صَدرا﴾ فَحكمه مَا بَينا. وَقَوله: ﴿شرح﴾ أَي: فتح قلبه لقبُول الْكفْر.
قَوْله تَعَالَى: ﴿ذَلِك بِأَنَّهُم استحبوا الْحَيَاة الدُّنْيَا على الْآخِرَة﴾ يَعْنِي: آثروا الْحَيَاة الدُّنْيَا على الْآخِرَة. وَاعْلَم أَن الْمُؤمن يجوز أَن يطْلب الدُّنْيَا، وَيطْلب الْآخِرَة، وَلَكِن لَا يُؤثر الدُّنْيَا على الْآخِرَة إِلَّا الْكَافِر. وَقَوله: ﴿وَأَن الله لَا يهدي الْقَوْم الْكَافرين﴾ لَا يرشد الْقَوْم الْكَافرين.
قَوْله تَعَالَى: ﴿أُولَئِكَ الَّذين طبع الله على قُلُوبهم وسمعهم وأبصارهم وَأُولَئِكَ هم الغافلون﴾ أَي: عَمَّا يُرَاد بهم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿لَا جرم أَنهم فِي الْآخِرَة هم الخاسرون﴾ أَي: حَقًا أَنهم فِي الْآخِرَة هم المغبونون.