( ﴿٩٣) رب فَلَا تجعلني فِي الْقَوْم الظَّالِمين (٩٤) وَإِنَّا على أَن نريك مَا نعدهم لقادرون (٩٥) ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحسن السَّيئَة نَحن أعلم بِمَا يصفونَ (٩٦) وَقل رب أعوذ بك من همزات الشَّيَاطِين (٩٧) وَأَعُوذ بك رب أَن يحْضرُون (٩٨) حَتَّى إِذا جَاءَ أحدهم الْمَوْت قَالَ رب ارْجِعُونِ (٩٩) ﴾
قَوْله تَعَالَى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحسن السَّيئَة﴾ أَكثر أهل التَّفْسِير أَن المُرَاد مِنْهُ هُوَ الدّفع بِالصبرِ، وَاحْتِمَال الْأَذَى، والكف عَن الْمُقَاتلَة، وَهَذَا قبل آيَة السَّيْف، وَعَن جمَاعَة من التَّابِعين أَنهم قَالُوا: هُوَ أَن يسلم على من يُؤْذِيه، فالدفع هُوَ بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ، وَعَن الضَّحَّاك، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: هُوَ دفع الشّرك بِلَا إِلَه إِلَّا الله، وَعَن بَعضهم: هُوَ دفع الْمُنكر بِالْمَوْعِظَةِ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿نَحن أعلم بِمَا يصفونَ﴾ أَي: بوصفهم وكذبهم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَقل رب أعوذ بك من همزات الشَّيَاطِين﴾ وساوسهم، والهمز فِي اللُّغَة مَأْخُوذ من الدّفع، وَدفع الشَّيَاطِين غَيره إِلَى الْمعْصِيَة يكون بوسوسته، فَعرف أَن الهمزات هِيَ الوساوس، وَقيل: همز الشَّيْطَان إغراؤه على الْمعْصِيَة.
وَقَوله: ﴿وَأَعُوذ بك رب أَن يحْضرُون﴾ أَي: يحضروا أَمْرِي، وَإِنَّمَا ذكر الْحُضُور؛ لِأَنَّهُ يغريه على الْمعْصِيَة، ويوسوسه إِذا حضر.
قَوْله تَعَالَى: ﴿حَتَّى إِذا جَاءَ أحدهم الْمَوْت﴾ أَي: حضر أحدهم الْمَوْت. وَقَوله: ﴿قَالَ رب ارْجِعُونِ﴾ فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنه خطاب للْمَلَائكَة، وهم الْمَلَائِكَة الَّذين يحْضرُون بِقَبض الرّوح، وَهَذَا قَول ضَعِيف؛ لِأَنَّهُ قد قَالَ: ﴿رب﴾.
وَأما القَوْل الثَّانِي - وَهَذَا الْمَعْرُوف - أَن الْخطاب مَعَ الله، وَكَأن الْكَافِر يسْأَل ربه عِنْد الْمَوْت أَن يردهُ إِلَى الدُّنْيَا، فَإِن قيل: كَيفَ يَسْتَقِيم هَذَا، وَقد قَالَ: ﴿ارْجِعُونِ﴾، وَالْوَاحد لَا يخطاب بخطاب الْجمع، وَلَا يَسْتَقِيم أَن يَقُول الْقَائِل: اللَّهُمَّ اغفروا لي؟ وَالْجَوَاب عَنهُ: أَنه إِنَّمَا ذكر بِلَفْظ الْجمع على طَرِيق التفخيم والتعظيم، فَإِن الله تَعَالَى أخبر عَن نَفسه بِلَفْظ الْجمع فَقَالَ: ﴿إِنَّا نَحن نزلنَا الذّكر وَإِنَّا لَهُ لحافظون﴾ وَمثل هَذَا كثير فِي الْقُرْآن، فَذكر قَوْله: ﴿ارْجِعُونِ﴾ على مُوَافقَة هَذَا كَمَا يُخَاطب الْجمع،


الصفحة التالية