﴿حَتَّى أنسوكم ذكري وكنتم مِنْهُم تضحكون (١١٠) إِنِّي جزيتهم الْيَوْم بِمَا صَبَرُوا أَنهم هم الفائزون (١١١) قَالَ كم لبثتم فِي الأَرْض عدد سِنِين (١١٢) قَالُوا لبثنا يَوْمًا أَو بعض يَوْم فاسأل العادين (١١٣) قَالَ إِن لبثتم إِلَّا قَلِيلا لَو أَنكُمْ كُنْتُم تعلمُونَ (١١٤) أفحسبتم أَنما خَلَقْنَاكُمْ عَبَثا وأنكم إِلَيْنَا لَا ترجعون (١١٥) ﴾
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالَ كم لبثتم فِي الأَرْض عدد سِنِين﴾. يَعْنِي: قَالَ الله تَعَالَى للْكفَّار: ﴿كم لبثتم فِي الأَرْض عدد سِنِين﴾ (أَي: فِي الدُّنْيَا، وَيُقَال: فِي الْقُبُور، وقرىء: " قل كم لبثتم فِي الأَرْض عدد سِنِين ") وَمَعْنَاهُ: قل يَا أَيهَا الْكَافِر.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالُوا لبثنا يَوْمًا أَو بعض يَوْم﴾ إِنَّمَا ذكرُوا يَوْمًا أَو بعض يَوْم؛ لأَنهم نسوا عدد مَا لَبِثُوا من هول مَا يلقاهم يَوْم الْقِيَامَة، فَإِن قَالَ قَائِل: هَذِه الْآيَة تدل على أَن عَذَاب الْقَبْر لَيْسَ بِثَابِت للْكفَّار؛ لِأَنَّهُ لَو كَانَ ثَابتا لم يَقُولُوا: لبثنا يَوْمًا أَو بعض يَوْم؟ وَالْجَوَاب عَنهُ من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه ذهب عَن قُلُوبهم عَذَاب الْقَبْر من هول مَا يلقاهم يَوْم الْقِيَامَة، وَالثَّانِي: أَن الله تَعَالَى يرفع الْعَذَاب عَن أهل الْقُبُور بَين النفختين، فينسون عَذَاب الْقَبْر، ويستريحون، وَإِنَّمَا يَقُولُونَ لبثنا يَوْمًا أَو بعض يَوْم لهَذَا.
وَقَوله: ﴿فاسأل العادين﴾ أَي: الْمَلَائِكَة الَّذين يعْرفُونَ عدد مَا لَبِثُوا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالَ إِن لبثتم إِلَّا قَلِيلا﴾ يَعْنِي: مَا لبثتم إِلَّا قَلِيلا ﴿لَو أَنكُمْ كُنْتُم تعلمُونَ﴾ أَي: لَو تعلمُونَ عدد مَا لبثتم، وَإِنَّمَا ذكر قَلِيلا؛ لِأَن الْوَاحِد من أهل الدُّنْيَا وَإِن لبث فِي الدُّنْيَا سِنِين كَثِيرَة، فَإِنَّهُ يكون قَلِيلا فِي جنب مَا يلبث فِي الْآخِرَة.
قَوْله تَعَالَى: ﴿أفحسبتم أَنما خَلَقْنَاكُمْ عَبَثا﴾ أَي: لتلعبوا أَو تعبثوا، وَقد سمى الله تَعَالَى جَمِيع الدُّنْيَا لعبا ولهوا فَقَالَ: ﴿اعلموا أَنما الْحَيَاة الدُّنْيَا لعب وَلَهو﴾ فالآية تدل على أَن الْآدَمِيّ لم يخلق لطلب الدُّنْيَا والاشتغال بهَا، وَإِنَّمَا خلق ليعبد الله وَيقوم بأوامره، وَعَن بَعضهم قَالَ: ﴿أفحسبتم أَنما خَلَقْنَاكُمْ عَبَثا﴾ هُوَ فِي معنى قَوْله


الصفحة التالية
Icon