سورة الأنفال
* ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنفَالُ للَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾
قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ﴾: فاعل "يَسْأل" يعود على معلوم، وهم مَنْ حَضَرَ بَدْراً. و "سأل" تارةً تكونُ لاقتضاء معنى في نَفْسِ المسؤول فتتعدَّى بـ "عن" كهذه الآية، وكقول الشاعر:
٢٣٧٩- سَلي إنْ جَهِلْتِ الناسَ عنَّا وعنهمُ * فليس سواءً عالمٌ وجَهولُ
(٧/٣٤٥)
وقد تكون لاقتضاء مالٍ ونحوه فتتعدى لاثنين نحو: "سألت زيداً مالاً". وقد ادَّعى بعضُهم أن السؤالَ هنا بهذا المعنى، وزعم أن "عَنْ" زائدةٌ، والتقدير: يسألونك الأنفالَ، وأيَّد قولَه بقراءة سعد بن أبي وقاص وابن مسعود وعلي بن الحسين وزيدٍ ولدِه ومحمد الباقر ولدِه أيضاً وولده جعفر الصادق وعكرمة وعطاء: "يسألونك الأنفالَ" دون "عن". والصحيحُ أن هذه القراءةَ على إرادةِ حرفِ الجر. وقال بعضهم: "عن" بمعنى "مِنْ". وهذا لا ضرورةَ تدعو إليه.
وقرأ ابنُ محيصن: "عَلَّنْفَال". والأصل: أنه نقل حركةَ الهمزة إلى لام التعريف، ثم اعتدَّ بالحركة العارضة فأدغم النونَ في اللام كقوله: ﴿وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم﴾، وقد تقدَّم ذلك في قوله ﴿عَنِ الأَهِلَّةِ
. والأنفال: جمع نَفَل وهي الزيادة على الشيء الواجب وسُمِّيَتْ / الغنيمة نَفَلاً لزيادتِها على حِماية الحَوزة. قال لبيد:
٢٣٨٠- إنَّ تقوى ربِّنا خيرُ نَفَلْ * وبإذنِ الله رَيْثي وعَجَلْ
وقال أخر:
٢٣٨١- إنَّا إذا احْمَرَّ الوغَى نَرْوي القَنا * ونَعِفُّ عند مَقاسِمِ الأنفالِ
وقيل: سُمِّيت "الأَنْفال" لأنَّ المسلمين فُضِّلُوا بها على سائر الأمم. وقال الزمخشري: "والنَّفَل: ما يُنْفَلُه الغازي، أي يُعْطاه زيادةً على سهمه من المَغْنم".
قوله: ﴿ذَاتَ بِيْنِكُمْ﴾: قد تقدَّمَ الكلامُ على "ذات" في آل عمران. وهي هنا صفةٌ لمفعولٍ محذوف تقديره: وأَصْلِحوا أحوالاً ذاتَ افتراقِكم وذاتَ وَصْلِكم، أو ذاتَ المكانِ المتصلِ بكم، فإنَّ "بين" قد قيل إنه يُراد به هنا الفراقُ أو الوصل أو الظرف. وقال الزجاج وغيره: "إنَّ "ذات" هنا بمنزلة حقيقة الشيء ونفسه" وقد أوضح ذلك ابن عطية. والتفسير ببيان هذا أولى.
(٧/٣٤٦)
---


الصفحة التالية
Icon