سورة العنكبوت
* ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ ﴾
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله: ﴿أَن يُتْرَكُواْ﴾: سَدَّ مَسَدَّ مفعولَيْ حَسِب عند الجمهور، ومَسَدَّ أحدِهما عند الأخفشِ.قوله: "أنْ يقولوا" فيه أوجهٌ، أحدُها: أنه بدلٌ مِنْ "أَنْ يُتْرَكوا"، أبدلَ مصدراً مؤولاً مِنْ مثلِه. الثاني: أنها على إسقاط الخافض وهو الباءُ، أو اللام، أي: بأَنْ يَقولوا، أو لأن يقولوا. قال ابن عطية وأبو البقاء: "وإذا قُدِّرَتِ الباءُ كان حالاً". قال ابن عطية: "والمعنى في الباء واللام مختلفٌ؛ وذلك أنَّه في الباء كما تقول: "تركْتُ زيداً بحالِه"/ وهي في اللام بمعنى مِنْ أجل أي: أَحَسِبوا أنَّ إيمانَهم عِلةٌ للترك" انتهى. وهذا تفسيرُ معنى، ولو فَسَّر الإِعرابَ لقال: أَحُسْبانُهم التركَ لأجل تلفُّظِهم بالإِيمان.
(١١/٣٤٤)
---
وقال الزمخشري: "فإنْ قلتَ: فأين الكلامُ الدالُّ على المضمونِ الذي يَقْتضيه الحُسبانُ؟ قلت: هو في قولِه: ﴿أَن يُتْرَكُوااْ أَن يَقُولُوااْ: آمَنَّا، وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ﴾. وذلك أنَّ تقديرَه: أَحَسِبُوا تَرْكَهم غيرَ مفتونين لقولِهم: آمنَّا، فالتركُ أولُ مفعولَيْ "حَسِب" و"لقولهم آمنَّا" هو الخبر. وأمَّا غيرَ مفتونين فتتمةُ التركِ؛ لأنه من الترك الذي هو بمعنى التصيير، كقوله:
٣٦٣٣- فَتَرَكْتُه جَزَرَ السِّباعِ يَنُشْنَه *....................
ألا ترى أنك قبل المجيء بالحُسْبان تَقْدِرُ أَنْ تقولَ: تَرَكَهم غيرَ مفتونين لقولِهم: آمنَّا على [تقدير]: حاصل ومستقر قبل اللام. فإنْ قلت: "أَنْ يَقُولوا" هو علةُ تَرْكِهم غيرَ مَفْتونين، فكيف يَصِحُّ أن يقعَ خبرَ مبتدأ؟ قلت: كما تقول: خروجُه لمخافةِ الشرِّ وضَرْبُه للتأديب، وقد كان التأديبُ والمخافةُ في قولِك: خَرَجْتُ مخافةَ الشرِّ وضَرَبْتُه تأديباً تعليلين. وتقول أيضاً: حَسِبْتُ خروجَه لمخافةِ الشَّرِّ، وظنَنْتُ ضربَه للتأديب، فتجعلهما مفعولين كما جعلتَهما مبتدأ وخبراً".
(١١/٣٤٥)
---