سورة القيامة
* ﴿ لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾
قوله: ﴿لاَ أُقْسِمُ﴾: العامَّةُ على "لا" النافيةِ. واختلفوا حينئذٍ فيها على أوجهٍ، أحدُها: أنها نافيةٌ لكلامٍ متقدِّمٍ، كأنَّ الكفارَ ذَكروا شيئاً. فقيل لهم: لا، ثم ابتدأ اللَّهُ تعالى قَسَماً. الثاني: أنها مزيدةٌ. قال الزمخشري: "وقالوا إنها مزيدةٌ، مِثْلُها في: ﴿لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ﴾ وفي قولِه:
٤٤٠٢ - في بِئْرِ لاحُورٍ سَرَى وما شَعَرْ
(١٤/١٧٥)
واعترضوا عليه: بأنها إنما تُزاد في وسط الكلام لا في أولِه. وأجابوا: بأنَّ القرآنَ في حُكْمِ سورةٍ واحدةٍ متصلٍ بعضُه ببعضٍ. والاعتراضُ صحيحٌ؛ لأنها لم تقَعْ مزيدةً إلاَّ في وسط الكلامِ، لكن الجوابَ غيرُ سديدٍ. ألا ترى إلى امرىء القيسِ كيف زادَها في مستهلِّ قصيدتِه؟ قلت: يعني قولَه:
٤٤٠٣ - لا وأبيكِ ابنةَ العامريْ * يِ..........................
كما سيأتي، وهذا الوجهُ والاعتراضُ عليه والجوابُ نقله مكي وغيرُه. الوجه الثالث: قال الزمخشري: "إدخالُ" "لا" النافيةِ على فعلِ القسمِ مستفيضٌ في كلامِهم وأشعارِهم. قال امرؤ القيس:
- لا وأبيك ابنةَ العامرِيْ * يِ لا يَدَّعِي القومُ أنِّي أفِرّْ
وقال غُوَيَّةُ بن سُلْميٍّ:
٤٤٠٤ - ألا نادَتْ أُمامةُ باحْتمالِ * لِتَحْزُنَني فلابِك ما أُبالي
وفائدتُها توكيدُ القسم" ثم قال - بعد أَنْ حكى وجهَ الزيادةِ والاعتراضَ والجوابَ كما تقدَّمَ - "والوَجهُ أَنْ يُقال: هي للنفي، والمعنى في ذلك: أنه لا يُقْسِمُ بالشيءِ إلاَّ إعظاماً له يَدُلَّكَ عليه قولُه تعالى: ﴿فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ﴾ فكأنه بإدخالِ حرفِ النفي يقول: إنَّ إعظامي له بإقسامي به كلا إعظامٍ، يعني أنه يَسْتَأْهِلُ فوق ذلك. وقيل: "إنَّ "لا" نفيٌ لكلامٍ وَرَدَ قبل ذلك". انتهى.
(١٤/١٧٦)
---


الصفحة التالية
Icon