سورة البروج
* ﴿ قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ ﴾
قوله: ﴿قُتِلَ﴾: هذا جوابُ القسمِ على المختارِ، وإنما حُذِفَتِ اللامُ، والأصلُ: لَقُتِلَ، كقولِ الشاعر:
٤٥٣٢ - حَلَفْتُ لها باللَّهِ حَلأْفَةَ فاجرٍ * لَناموا فما إنْ مِنْ حديثٍ ولا صالِ
(١٤/٣٠٥)
وإنما حَسُن حَذْفُها للطُّولِ، كما سيأتي إن شاء اللَّهُ تعالى في قولِه: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا﴾. وقيل: تقديرُه: لقد قُتِلَ، فحَذَفَ اللامَ وقد، وعلى هذا فقوُه: "قُتِلَ" خبرٌ لا دُعاءٌ. وقيل بل هي دعاءُ فلا يكونُ جواباً. وفي الجواب حينئذٍ أوجهٌ، أحدُها: أنَّه قولُه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُواْ﴾. الثاني: قولُه: ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ﴾ قاله المبرد. الثالث: أنه مقدرٌ. فقال الزمخشري: - ولم يَذْكُرْ غيرَه - "هو محذوفٌ يَدُلُّ عليه ﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ﴾، كأنه قيل: أُقْسِمُ بهذه الأشياءِ إنَّ كفَّار قريشٍ مَلْعونون كما لُعِنَ أصحابُ الأُخدودِ" ثم قال: "وقُتِل دعاءٌ عليهم، كقوله: ﴿قُتِلَ الإِنسَانُ﴾، وقيل: التقدير: لَتُبْعَثُنَّ.
وقرأ الحسن وابن مقسم "قُتِّلَ" بتشديدِ التاءِ مبالغةً أو تكثيراً. وقوله: "الموعودِ"، أي: الموعود به. قال مكي: "الموعود نعتٌ لليوم. وثَم ضميرٌ محذوفٌ يتمُّ الموعودُ به. ولولا ذلك لَما صَحَّتِ الصفةُ؛ إذ لا ضميرَ يعودُ على الموصوفِ مِنْ صفتِه" انتهى. وكأننَّه يعني أن اليومَ موعودٌ به غيرُه من الناس، فلا بُدَّ مِنْ ضمير يَرْجِعُ غليه، لأنه موعودٌ به لا موعودٌ. وهذا لا يُحتاج غليه؛ إذ يجوزُ أَنْ يكون قد تَجَوَّزَ بأنَّ اليومَ وَعَدَ بكذا فيصِحُّ ذلك، ويكونُ فيه ضميرٌ عائدٌ عليه، كأنَّه قيل: وليومِ الذي وَعَدَ أَنْ يُقْضَى فيه بين الخلائِقِ.
والأُخْدودُ: الشِّقُّ في الأرضِ. قالا لزمخشري: "والأخْدودُ: الخَدُّ في الأرضِ، وهو الشِّقُّ. ونحوُهما بناءً ومعنىً: الخَقُّ والأُخْقُوق، ومنه: "فساخَتْ قوائمُه في أخاقيقِ جِرْذان". انتهى. فالخَدُّ في الأصلِ مصدرٌ، وقد يقعُ على المفعولِ وهو الشِّقُّ نفسُه، وأمَّا الأخدودُ فاسمُ له فقط. وقال الراغب: "الخَدُّ والأُخْدُوْدُ شِقٌّ في أرضٍ، مستطيلٌ غائِصٌ.
(١٤/٣٠٦)
---