سورة الأعلى
* ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ﴾
قوله: ﴿الأَعْلَى﴾: يجوزُ جَرُّه صفةً لـ"ربِّك"، ونصبُه صفةً لاسم. إلاَّ أنَّ هذا يمنعُ أَنْ يكونَ "الذي" صفةً لـ"ربِّك"، بل يتعيَّنُ جَعْلُه نعتاً لـ"اسم"، أو مقطوعاً، لئلا يلومَ الفصلُ بين الصفة والموصوفِ بصفةِ غيرِه؛ إذ يصيرُ التركيبُ مثلَ قولِك: "جاءني غلامُ هندٍ العاقلُ الحسنةِ" فيُفْصَلُ بالعاقل بين "هند" وبين صفتِها. وتقدَّم الكلامُ في إضافةِ الاسمِ إلى المُسَمَّى.
* ﴿ وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ﴾
قوله: ﴿قَدَّرَ﴾: قرأ الكسائيُّ بتخفيفِ الدالِ، والباقون بالتشديد. وقد تقدَّمَتْ القراءتان في المرسلات.
(١٤/٣١٤)
* ﴿ فَجَعَلَهُ غُثَآءً أَحْوَى ﴾
قوله: ﴿غُثَآءً﴾: إمَّا مفعولٌ ثانٍ، وإمَّا حالٌ. والغُثاء بتشديد الثاء وتخفيفِها - وهو الفصيحُ - / ما يُقَدِّمُه السَّيْلُ على جوانبِ الوادي من النباتِ ونحوِه. قال امرؤ القيس:
٤٥٤٩ - كأنَّ ذُرا رأسِ المُجَيْمِرِ غُدوةً * من السَّيْلِ والغُثَّاء فَلْكَهُ مِغْزَلِ
ورواه الفراءُ "والأَغْثاء" على الجمعِ. وفيه غرابةٌ من حيث جَمَعَ فُعالاً على أفْعال.
قوله: ﴿أَحْوَى﴾ فيه وجهان، أظهرُهما: أنَّه نعتٌ لـ"غُثاء". والثاني: أنه حالٌ من "المَرْعَى". قال أبو البقاء: "قَدَّم بعضَ الصلةِ". قلت: يعني أنَّ الأصلَ أخرجَ المرعى أَحْوى فجعله غثاء، ولا يُسَمَّى هذا تقديماً لبعضِ الصلةِ. والأحْوى: أَفْعَلُ مِنْ الحُوَّة وهي سَوادٌ يَضْرِبُ إلى الخُضْرة. قال ذو الرَّمة:
٤٥٥٠ - لَمْياءُ في شَفَتَيْها حَوَّةٌ لَعَسٌ * وفي اللِّثاتِ وفي أَنْيابِها شَنَبُ
وقد تقدَّم لك أنَّ بعضَ النحاةِ اسْتَدَلَّ على وجودِ بدلِ الغَلَطِ بهذا البيت. وقيل: خُضرةٌ عليها سوادٌ. والأَحْوى: الظَّبْيُ؛ لأنَّ في ظهره خُطَّتَيْن. قال:
٤٥٥١ - وفي الحَيِّ أَحْوَى يَنْفُضُ المَرْدَ شادِنٌ * مُظاهِرُ سِمْطَيْ لُؤْلُؤٍ وزَبَرْجَدِ
ويقال: رجلٌ أَحْوَى وامرأةٌ حَوَّاء. وجَمْعُهما حُوٌّ، نحو: أحمر وحمراءُ وحُمْر.
* ﴿ سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى ﴾
َلاَ تَنسَى}: قيل: هو نَفْيٌ، أخبر تعالى أنَّ نبيَّه عليه السلام لا يَنْسَى. وقيل: نهيٌّ، والألفُ إشابعٌ، وقد تَقَدَّم نحوٌ مِنْ هذا في يوسف وطه. ومنع مكي أَنْ يكونَ نهياً لأنه لا يُنْهَى عمَّا ليس باختيارِه. وهذا غيرُ لازمٍ؛ إذ المعنى: النهيُ عن تعاطي أسبابِ النسيانِ، وهو شائعٌ.
* ﴿ إِلاَّ مَا شَآءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى ﴾
(١٤/٣١٥)
---


الصفحة التالية
Icon