سورة العاديات
* ﴿ وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً ﴾
قوله: ﴿وَالْعَادِيَاتِ﴾: جمعُ "عادِيَة" وهي الجاريَةُ بسُرعةٍ، من العَدْوِ، وهو المَشْيُ بسُرْعةٍ. والياءُ عن واوِ لكَسْر ما قبلها نحو: الغازيات من الغَزْوِ. يُقال: عَدا يَعْدُوا عَدْواً، فهو عادٍ وهي عادِيَةٌ، وقد تقدَّمَ هذا في المؤمنين.
قوله: ﴿ضَبْحاً﴾ فيه أوجهٌ. أحدُها: أنه مصدرٌ مؤكِّدٌ لاسمِ الفاعلِ؛ فإنَّ الضَّبْحَ نوعٌ من السيرِ والعَدْوِ كالضَّبْع. يقال: ضَبَحَ الفَرَسُ وضَبَعَ، إذا عدا بشدةٍ، أَخْذاً مِنْ الضَّبْع، وهو الذِّرَاع لأنه يَمُدُّه عند العَدْوِ، وكأنَّ الحاءَ بدلٌ من العين. وإلى هذا ذهب أبو عبيدة. والمبردُ. قالا الضَّبْحُ مِنْ إضباعِها في السَّيْرِ. وقال عنترةُ:
٤٦١٧- والخيلُ تعلَمُ حين تَضْـ * بَحُ في حِياضِ المَوْتِ ضَبْحاً
(١٤/٣٨٣)
الثاني: أنه مصدرٌ في موضعِ الحالِ، أي: ضابحاتٍ، أو ذوي ضَبْح. والضَّبْحُ: صوتٌ يُسْمَعُ مِنْ صدورِ اخليل عند العَدْوِ، لي بصَهيل وعن ابن عباس: انه حكاه فقال: أحْ أحْ. ونُقل عنه: أنه لم يَضْبَحْ من الحيان غيرُ الخيل والكَلْبِ والثعلبِ. وهذا يَنْبغي أَنْ لا يَصِحَّ عنه، فإنه رُوي أنه قال: سُئِلْتُ عنها ففَسَّرتُها بالخيل. وكان عليُّ رضي الله عنه تحت سِقاية زمزم فسأله، وذَكَر له ما قلتُ. فدعاني فلمَّا وقفْتُ على رأسِه قال:"تُفءتي الناسَ بغيرِ علمٍ، إنَّها لأولُ غزوةٍ في الإسلام وهي بدرٌ، ولم يكنْ معنا إلاَّ فَرَسان: فرسٌ للمِقْدار، وفرسٌ للزُّبَيْر، والعادياتِ ضَبحْاً: الإبلُ مِنْ عرفَةَ إلى المزدلفةِ، ومن المزدلفةِ، ومن المزدلفةِ إلى مِنى" إلاَّ أنَّ الزمشخريَّ قال بعد ذلك: "فإنْ صَحَّتِ الروايةُ فقد اسْتُعير الضَّبْحُ للإبل، كما اسْتُعير المَشافِرُ والحافِرُ والحافِرُ للإنسان، والشَّفتان للمُهْر" ونَقَل غيرُه أن الضَّبْحَ يكونُ في الإبل والأسْوَدِ من الحَيَّاتِ والبُوم والصَّدى والأرنبِ والثعلبِ والقوسِ. وأنشد أبو حنيفةَ في صفةِ قَوْس.
٤٦١٨- حَنَّانَةٌ مِنْ نَشَمٍ أو تالبِ * تَضْبَحُ في الكَفِّ ضُباحَ الثعلبِ
وعندي أنَّ هذا مِن الاستعارةِ. ونَقَلَ أهلُ اللغةِ أنَّ أصلَ الضَّبْحِ في الثعلبِ فاسْتُعير للخيل، وهو مِنْ ضَبَحَتْه النارُ: أي غَيَّرت لونَه ولم تُبالغْ فيه. والضَّبْحُ لونٌ يُغَيِّرُ إلى السواد قليلاً.
الثالث: من الأوجه: أَنْ يكونَ منصوباً بفعلٍ مقدرٍ، أي: تَضْبَحُ ضَبْحاً. وهذا الفعلُ حالٌ من "العاديات".
(١٤/٣٨٤)
---


الصفحة التالية
Icon