سورة الكافرون
* ﴿ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴾
(١٤/٤١٢)
قوله: ﴿لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾: "ما" في هذه السورةِ يجوزُ فيها وجهان، أحدُهما: أنها بمعنى الذي. فإنْ كان المرادُ الأصنامَ - كما في الأولى والثالث - فالأمرُ واضحٌ لأنهم غيرُ عقلاءَ. و"ما" أصلُها أَنْ تكونَ لغيرِ العقلاء. وإذا أريد بها الباري تعالى، كما في الثانيةِ والرابعةِ، فاسْتَدَلَّ به مَنْ جوَّز وقوعَها على أولي العلمِ. ومَنْ مثلَ عبادتي. وقال أبو مسلم: "ما" في الأَوَّلَيْن بمعنى الذي، والمقصودُ المعبودُ و"ما" في الآخيرَيْن مصدريةٌ، أي: لا أَعْبُدُ عبادتَكم المبنيَّةَ على الشكِّ وتَرْكِ النظرِ، ولا أنتم تبعدونَ مثلَ عبادتي المبنيةِ على اليقين. فتحصَّل مِنْ مجموعِ ذلك ثلاثةُ أقوالٍ: أنها كلَّها بمعنى الذي أو مصدريةٌ، أو الأُوْلَيان بمعنى الذي، والأخيرتان مصدريَّتان ولِقائل أَنْ يقولَ: لو قيل: بأنَّ الأولى والثالثةَ بمعنى الذي، والثانيةَ والرابعةَ مصدريةٌ، لكان حسناً حتى لا يَلْزَمَ وقوعُ "ما" على أولي العلمِ، وهو مقتضى قولِ مَنْ يمنعُ وقوعَها على أولي العلمِ كما تقدَّم.
واختلف الناسُ: هل التَّكرارُ في هذه السورة للتأكيد أم لا؟ وإذا لم يكنْ للتأكيدِ فبأيِّ طريقٍ حَصَلَتِ المغايرةُ حتى انتفى التأكيدُ؟ ولا بُدَّ مِنْ إيرادِ أقوالِهم في ذلك فقال جماعة: هو للتوكيدِ. فقولُه ﴿وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ ﴾ تأكيدٌ لقوله ﴿لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ وقوله: ﴿وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ﴾ ثانياً توكيدٌ لقوله ﴿وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ﴾ أولاً، ومثلُه قولُه ﴿فَبِأَيِّ آلااءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾ في سورتَيْهما، و﴿كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ و ﴿كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ﴾ وفي الحديث: "فلا آذَنُ ثم لا آذَنُ، إنما فاطمةُ بَضْعَةٌ مني" قال الشاعر:
(١٤/٤١٣)
---