سورة النصر
* ﴿ إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴾
(١٥/٥)
قوله: ﴿نَصْرُ اللَّهِ﴾: مصدرٌ مضافٌ لفاعِله، ومفعولُه محذوفٌ لفَهْمِ المعنى، أي: نَصْرُ اللَّهِ إياك والمؤمنين. وكذلك مفعولَيْ "الفتح" ومُتَعَلَّقَهُ. والفتح، أي: فَتْحُ البلادِ عليك وعلى أمتِك. أو المقصود: إذ جاء هذان الفعلان، مِنْ غير نظرٍ إلى متعلَّقَيْهما كقوله: ﴿أَمَاتَ وَأَحْيَا﴾ وأل في الفتح عِوَضٌ مِنْ الإضافةُ، أي: وفَتْحُه، عند الكوفيين، والعائدُ محذوفٌ عند البصريين، أي: والفتحُ مِنُه، للدلالةِ على ذلك. والعاملُ في "إذا": إمَّا "جاء" وهو قولُ مكي، وإليه نحا الشيخ ونَضَرَه في مواضعَ وقد تقدَّم ذلك كما نَقَلْتُه عن مكيّ وعنه. والثاني: أنه "فَسَبِّحْ" وإليه نحا الزمخشريُّ والحوفيُّ. وقد رَدَّ الشيخُ عليهما: بأنَّ ما بعد فاءِ الجواب لا يعملُ فيما قبلَها. وفيه بحقٌ تقدَّم بعضُه في سورةِ "والضُّحى".
* ﴿ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً ﴾
قوله: ﴿يَدْخُلُونَ﴾ إمَّا حلاٌ إنْ كان "رَأَيْتَ" بَصَريةً وفي عبارة الزمشخري: "إنْ كانَتْ بمعنى أبَصَرْتَ أو عَرَفْتَ" وناقشه الشيخُ: بأنَّ رَأَيْتَ لا يُعْرَفُ كونُها بمعنى عَرَفْتَ. قال: "فيَحْتاج في ذلك إلى استثباتٍ. وإمَّا مفعولٌ ثانٍ إن كانت بمعنى عَلِمْتَ المتعدية لاثنين. وهذه قراءةُ العامَّةِ أعني: يَدْخُلون مبنياً للفاعل. وبان كثير في روايةٍ "يُدْخَلون" مبنياً للمعفول و "في دين" ظرفٌ مجازيٌّ، وهو مجازٌ فصيحٌ بليغٌ هنا.
(١٥/٦)
قوله: ﴿أَفْوَاجاً﴾ حالٌ مِنْ فاعل "يَدْخُلون" قال مكي: "وقياسُه أفْوُج. إلاَّ أنَّ الضمةَ تُسْتثقلُ في الواوِ، فشَبَّهوا فَعْلاً يعني بالسكون بفَعَل يعني بالفتح، فجمعوه جَمْعَه" انتهى. أي: إنَّ فَعْلاً بالسكون قياسُه أَفْعُل كفَلْس وأَفْلُس، إلاَّ أنه اسْتُثْقِلت الضمةُ على الواو فجمعوه جَمْعَ فَعَل بالتحريك نحو: جَمَل وأَجْمال؛ لأنَّ فَعْلاً بالسُّكون على أَفعال ليس بقياس إذا كان فَعْلٌ صحيحاً نحو: فَرْخ وأفراخ، وزَنْد وأزناد، ووردّتْ منه ألفاظٌ كثيرةٌ، ومع ذلك فلم يَقيسوه، وقد قال الحوفيُّ شيئاً مِنْ هذا.
قوله: ﴿بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ حالٌ، أي: مُلْتبساً بحمده، وتقدَّم تحقيقُ هذا في البقرة عند قوله: ﴿وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ﴾.