﴿عَلَيْكُم وَمَلَائِكَته ليخرجكم من الظُّلُمَات إِلَى النُّور وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رحِيما (٤٣) ﴾ أَن المُرَاد بِالذكر الْكثير هُوَ الصَّلَوَات الْخمس، وَالثَّانِي: أَن المُرَاد بِالذكر الْكثير هُوَ التَّسْبِيح والتحميد والتهليل وَالتَّكْبِير وأشباهها، وَهَذِه الْأَذْكَار هِيَ الَّتِي لَا يمْنَع مِنْهَا مُسلم بجنابة وَلَا حدث وَلَا بِغَيْر ذَلِك. وَقَالَ بَعضهم: الذّكر الْكثير يكون بِالْقَلْبِ، وَهُوَ الذّكر الَّذِي يستديم بِهِ طَاعَة الله، وَيَنْتَهِي بِهِ عَن مَعْصِيَته.
وَقَوله: ﴿وسبحوه بكرَة وَأَصِيلا﴾ أَي: صلوا لله بكرَة وَأَصِيلا، والأصيل: مَا بَين الْعَصْر وَالْمغْرب، وَيُقَال: صَلَاة الْأَصِيل هِيَ الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء الْآخِرَة.
قَوْله تَعَالَى: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُم وَمَلَائِكَته﴾ اخْتلفُوا فِي معنى (الصَّلَوَات) من الله تَعَالَى؛ قَالَ أَبُو الْعَالِيَة: هُوَ الثَّنَاء من الله على عباده، (وَعَن) بَعضهم: إِشَاعَة الذّكر الْجَمِيل لَهُم، وَأشهر الْأَقْوَال: ان الصَّلَاة من الله تَعَالَى بِمَعْنى الرَّحْمَة وَالْمَغْفِرَة، وَأما صَلَاة الْمَلَائِكَة بِمَعْنى الاسْتِغْفَار للْمُؤْمِنين. وَذكر الْحسن الْبَصْرِيّ: أَن بني إِسْرَائِيل قَالُوا لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: أيصلي رَبك؟ فَذكر مُوسَى ذَلِك لله تَعَالَى؛ فَقَالَ الله تَعَالَى: إِنِّي أُصَلِّي، وصلواتي أَن رَحْمَتي سبقت غَضَبي ".
وَفِي بعض التفاسير: أَن الله تَعَالَى لما أنزل قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي﴾ قَالَت الصَّحَابَة: يَا رَسُول الله، هَذَا لَك! فَمَا لنا؟ فَأنْزل الله تَعَالَى: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُم وَمَلَائِكَته﴾.
وَقَوله: ﴿ليخرجكم من الظُّلُمَات إِلَى النُّور﴾ أَي: من ظلمَة الضَّلَالَة إِلَى نور الْهِدَايَة، وَمن ظلمَة الْكفْر إِلَى نور الْإِيمَان، وَقيل: من ظلمَة النَّار إِلَى نور الْجنَّة.
وَقَوله: ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رحِيما﴾ يَعْنِي: لما حكم لَهُم من السَّعَادَة.


الصفحة التالية
Icon