﴿بِالْحَقِّ علام الغيوب (٤٨) قل جَاءَ الْحق وَمَا يبدئ الْبَاطِل وَمَا يُعِيد (٤٩) قل إِن ضللت فَإِنَّمَا أضلّ على نَفسِي وَإِن اهتديت فبمَا يوحي إِلَيّ رَبِّي إِنَّه سميع قريب﴾
قَوْله تَعَالَى: ﴿قل جَاءَ الْحق﴾ أَي: الْقُرْآن، وَقيل: الرَّسُول.
وَقَوله: ﴿وَمَا يبدئ الْبَاطِل﴾ قَالَ قَتَادَة: الْبَاطِل هُوَ الشَّيْطَان هَا هُنَا أَي: مَا يبدئ الشَّيْطَان شَيْئا [ ﴿وَمَا يُعِيد﴾ ]. وَفِي الْآيَة قَول آخر: وَهُوَ أَن الله تَعَالَى يقذف بِالْحَقِّ على الْبَاطِل، فَيذْهب الْبَاطِل وَلَا يبْقى مِنْهُ بَقِيَّة تبدئ شَيْئا أَو تعيده. وَقيل: الْبَاطِل هُوَ الْأَصْنَام.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قل إِن ضللت فَإِنَّمَا أضلّ على نَفسِي﴾ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: لما بعث رَسُول الله وَجعل يعيب الْأَصْنَام، قَالَ لَهُ الْمُشْركُونَ: إِنَّك قد ضللت بتركك دين آبَائِك؛ فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة.
وَقَوله: ﴿فَإِنَّمَا أضلّ على نَفسِي﴾ أَي: إِثْم ضلالتي عَليّ.
وَقَوله: ﴿وَإِن اهتديت فبمَا يوحي إِلَيّ رَبِّي﴾ أَي: من الْقُرْآن والحجج.
وَقَوله: ﴿إِنَّه سميع قريب﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَو ترى إِذْ فزعوا﴾ مَعْنَاهُ: وَلَو ترى إِذْ فزعوا حِين يبعثون، وَفِي الْآيَة جَوَاب مَحْذُوف، والمحذوف: وَلَو ترى إِذا فزعوا حِين يبعثون لرأيت عِبْرَة يعتير بهَا، وَيُقَال: وَلَو ترى إِذْ فزعوا أَرَادَ بِهِ وَقت الْمَوْت.
وَقَوله: ﴿فَلَا فَوت﴾ أى: لَا يفوتون من الله، كَمَا قَالَ الله فِي مَوضِع آخر: ﴿ولات حِين مناص﴾.
وَقَوله: ﴿وَأخذُوا من مَكَان قريب﴾ فِي التَّفْسِير: أخذُوا من تَحت أَقْدَامهم. وَيُقَال: أخذُوا من بطن الأَرْض (إِلَى ظهرهَا).
( ﴿٥٠) وَلَو ترى إِذْ فزعوا فَلَا فَوت وَأخذُوا من مَكَان قريب (٥١) وَقُولُوا آمنا بِهِ وأنى لَهُم التناوش من مَكَان بعيد (٥٢) وَقد كفرُوا بِهِ من قبل ويقذفون بِالْغَيْبِ من مَكَان﴾
قَوْله: ﴿وَقَالُوا آمنا بِهِ﴾ يَعْنِي: فِي الْقِيَامَة، وَقيل: عِنْد الْمَوْت، وَهُوَ فِي معنى قَوْله تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا رَأَوْا بأسنا قَالُوا آمنا بِاللَّه وَحده﴾.
وَقَوله: ﴿وأنى لَهُم التناوش﴾ قَالَ مُجَاهِد وَقَتَادَة وَكثير من الْمُفَسّرين: التناوش هُوَ التَّنَاوُل قَالَ الشَّاعِر:
(وَهِي تنوش الْحَوْض نوشا من علا
(نوشا بِهِ تقطع) أجواز الفلا)
وَمعنى الْآيَة على هَذَا أَنهم يُرِيدُونَ أَن يتناولوا الْإِيمَان، وَقد بعد عَنْهُم ذَلِك وفاتهم، فَأنى لَهُم ذَلِك. وَقُرِئَ " وأنى لَهُم التناوش " بِالْهَمْز، وَذكر أهل اللُّغَة أَن النئيش هُوَ الْحَرَكَة فِي إبطاء، فَالْمَعْنى على هَذَا أَنه من أَنى لَهُم حركتهم فِيمَا لَا حِيلَة لَهُم فِيهِ. وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ: معنى قَوْله: ﴿وأنى لَهُم التناوش﴾ أَنهم يسْأَلُون الرَّد إِلَى الدُّنْيَا، وأنى لَهُم الرَّد.
وَقَوله: ﴿من مَكَان بعيد﴾ أى: من الْآخِرَة إِلَى الدُّنْيَا.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿وَقد كفرُوا بِهِ من قبل﴾ أَي: بِالْقُرْآنِ، وَقيل: بِمُحَمد.
وَقَوله: ﴿من قبل﴾ أَي: فِي الدُّنْيَا.
وَقَوله: ﴿ويقذفون بِالْغَيْبِ﴾ أَي: يظنون ظن الْغَيْب، وَمعنى ظن الْغَيْب: أَنهم يَقُولُونَ مَا لَا يعلمُونَ؛ وَقَوْلهمْ فِيمَا لَا يعلمُونَ هُوَ أَنهم قَالُوا: مُحَمَّد سَاحر، وكاذب، وكاهن، وشاعر، وَيُقَال: قَوْلهم فِيمَا لَا يعلمُونَ أَنهم يَقُولُونَ: (لَا بعث وَلَا جنَّة) وَلَا نَار.


الصفحة التالية
Icon