وقال تعالى ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة ﴾
وأما لقيته القول فتلقاه فذلك إذا أردت أن تحفظه بخلاف ما إذا ألقيته إليه فإن هذا بقوله فيما يخاطبه به وإن لم يحفظه كمن ألقيت إليه القول بخلاف القول إنكم لكاذبون وألقوا إليهم السلام وليس هنا إلا خطاب سمعوه لم يحصل نفس صفة المتكلم في المخاطب فكذلك مريم إذا ألقى الله كلمته إليها هي قول كن لم يلزم أن تكون نفس صفته القائمة به حلت في مريم كما لم يلزم أن تكون صفته القائمة به حلت في سائر من ألقى كلامه كما لا تحصل صفة كل منكم فيمن يلقي إليه كلامه فصل في الرد على أن في عيسى طبيعتين
وأما قولهم وعلى هذا المثال نقول في السيد المسيح طبيعتان
طبيعة لاهوتية التي هي طبيعة كلمة الله وروحه
وطبيعة ناسوتية التي أخذها من مريم العذراء واتحدت به فيقال لهم كلام النصارى في هذا الباب مضطرب مختلف مناقض وليس لهم في ذلك قول اتفقوا عليه ولا قول معقول ولا قول دل عليه كتاب بل هم فيه فرق وطوائف كل فرقة تكفر الأخرى كاليعقوبية والملكانية والنسطورية ونقل الأقوال عنهم في ذلك مضطربة كثيرة الاختلاف
ولهذا يقال لو اجتمع عشرة نصارى لتفرقوا على أحد عشر قولا وذلك أن ما هم عليه من اعتقادهم من التثليث والاتحاد كما هو مذكور في أمانتهم لم ينطق به شيء من كتب الأنبياء ولا يوجد لا في كلام المسيح ولا الحواريين ولا أحد من الأنبياء ولكن عندهم في الكتب ألفاظ متشابهة وألفاظ محكمة يتنازعون في فهمها ثم القائلون منهم بالأمانة وهم عامة النصارى اليوم من الملكانية والنسطورية واليعقوبية مختلفون في تفسيرها ونفس قولهم متناقض يمتنع تصوره على الوجه الصحيح
فلهذا صار كل منهم يقول ما يظن أنه أقرب من غيره فمنهم من يراعي لفظ أمانتهم وإن صرح بالكفر الذي يظهر فساده لكل أحد كاليعقوبية ومنهم من يستر بعض ذلك كالنسطورية وكثير منهم وهم الملكانية بين هؤلاء وهؤلاء ولما ابتدعوا ما ابتدعوه من التثليث والحلول كان فيهم من يخالفهم في ذلك