قول من يقول إن الله لم يقم بذاته كلام ولهذا قال الأئمة كلام الله من الله ليس ببائن عنه وذكرنا اختلاف المنتسبين إلى السنة هل يتعلق الكلام بمشيئته وقدرته أم لا وقول من قال من أئمة السنة لم يزل الله متكلما إذا شاء وأن قول السلف منه بدأ لم يريدوا به أنه فارق ذاته وحل في غيره فإن كلام المخلوق بل وسائر صفاته لا تفارقه وتنتقل إلى غيره فكيف يجوز أن يفارق ذات الله كلامه أو غيره من صفاته بل قالوا منه بدأ أي هو المتكلم به ردا على المعتزلة والجهمية وغيرهم الذين قالوا بدأ من المخلوق الذي خلق فيه وقولهم إليه يعود أي يسري عليه فلا يبقى في المصاحف منه حرف ولا في الصدور منه آية
والمقصود هنا الجواب عن مسائل السائل فصل
وأما قول القائل أنتم تعتقدون أن موسى سمع كلام الله منه حقيقة من غير واسطة وتقولون أن الذي تسمعونه كلام الله حقيقة وتسمعونه من وسائل بأصوات مختلفة فما الفرق بين ذلك
فيقال له بين هذا وهذا من الفرق أعظم مما بين القدم والفرق فإن كل عاقل يفرق بين سماع كلام النبي ﷺ منه بغير واسطة كسماع الصحابة منه وبين سماعه منه بواسطة المبلغين عنه كأبي هريرة وأبي سعيد وابن عمر وابن عباس وكل من السامعين سمع كلام النبي ﷺ حقيقة وكذلك من سمع شعر حسان بن ثابت أو عبد الله بن رواحة أو غيرهما من الشعراء منه بلا واسطة ومن سمعه من الرواة عنه يعلم الفرق بين هذا وهذا وهو في الموضعين شعر حسان لا شعر غيره والإنسان إذا تعلم شعر غيره فهو يعلم أن ذلك الشاعر أنشأ معانيه ونظم حروفه بأصواته المقطعة وإن كان المبلغ يرويه بحركة نفسه وأصوات نفسه
فإذا كان هذا الفرق معقولا في كلام المخلوقين بين سماع الكلام من المتكلم به ابتداء وسماعه بواسطة الراوي عنه أو المبلغ عنه فكيف لا يعقل ذلك في سماع كلام الله وقد تقدم أن من ظن أن المسموع من القراء هو صوت الرب فهو إلى تأديب المجانين أقرب منه إلى خطاب العقلاء وكذلك من توهم أن الصوت قديم أو أن المداد قديم فهذا لا يقوله ذو حس سليم بل ما بين لوحي المصحف كلام الله وكلام الله ثابت في مصاحف المسلمين لا كلام غيره فمن قال إن الذي في المصحف ليس كلام الله بل كلام غيره فهو ملحد مارق
ومن زعم أن كلام الله فارق ذاته وانتقل إلى غيره كما كتب في المصاحف أو أن المداد قديم أزلي فهو أيضا ملحد مارق بل كلام المخلوقين يكتب في الأوراق وهو لم يفارق ذواتهم