المحرر الوجيز، ج ١، ص : ٣٣
[مقدمة]
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
والحمد للّه الملك العظيم وصلى اللّه على سيدنا محمد الكريم وعلى آله قال الشيخ الإمام، الفقيه الأجل، الحافظ الأكمل، القاضي الأعدل، أبو محمد عبد الحق، ابن الفقيه الإمام الحافظ أبي بكر غالب، بن عبد الرحمن، بن غالب، بن عبد الرؤوف، بن تمام، بن عبد اللّه، بن تمام، بن عطية، بن خالد، بن عطية، وهو الداخل إلى الأندلس، ابن خالد، بن خفاف، بن أسلم، بن مكرم المحاربي من ولد زيد، بن محارب، بن خصفة، بن قيس عيلان من أهل غرناطة، رحمه اللّه ونفعه والمسلمين بما دون.الحمد للّه الذي برأ النسم، وأفاض النعم، ومنح القسم، وسنى من توحيده وعبادته العصم، ذي العزة القاهرة، والقدرة الباهرة، والآلاء المتظاهرة، الذي أوجدنا بعد العدم، وجعلنا الخيار الوسط من الأمم، وخولنا عوارف لا تحصى، وهدانا شرعة رمت بنا من رضوانه إلى الغرض الأقصى، أنزل إلينا القرآن العزيز، وعد فيه وبشر وأوعد وحذر، ونهى وأمر، وأكمل فيه الدين، وجعله الوسيلة الناجحة والحبل المتين، ويسره للذكر، وخلده غابر الدهر، عصمة للمعتصمين، ونورا صادعا في مشكلات المختصمين، وحجة قائمة على العالم، ودعوة شاملة لفرق بني آدم، كلامه الذي أعجز الفصحاء، وأخرس البلغاء، وشرف العلماء، له الحمد دائبا، والشكر واصبا، لا إله إلا هو رب العرش العظيم، وأفضل الصلاة والتسليم، على محمد رسوله الكريم، صفوته من العباد، وشفيع الخلائق في المعاد، صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، الناهض بأعباء الرسالة والتبليغ الأعصم، والمخصوص بشرف السعاية في الصلاح الأعظم، صلى اللّه عليه وعلى آله صلاة مستمرة الدوام، جديدة على مر الليالي والأيام.
وبعد، أرشدني اللّه وإياك، فإني لما رأيت العلوم فنونا، وحديث المعارف شجونا، وسلكت فإذا هي أودية، وفي كل للسلف مقامات حسان وأندية، رأيت أن الوجه لمن تشزن للتحصيل، وعزم على الوصول، أن يأخذ من كل علم طرفا خيارا، ولن يذوق النوم مع ذلك إلا غرارا، ولن يرتقي هذا النجد، ويبلغ هذا المجد، حتى ينضي مطايا الاجتهاد، ويصل التأويب بالإسئاد، ويطعم الصبر ويكتحل بالسهاد، فجريت في هذا المضمار صدر العمر طلقا، وأدمنت حتى تفسخت أينا وتصببت عرقا، إلى أن انتهج بفضل اللّه عملي، وحزت من ذلك ما قسم لي، ثم رأيت أن من الواجب على من احتبى، وتخير من العلوم واجتبى، أن يعتمد على علم من علوم الشرع، يستنفد فيه غاية الوسع، يجوب آفاقه، ويتتبع أعماقه، ويضبط أصوله، ويحكم فصوله، ويلخص ما هو منه، أو يؤول إليه، ويعنى بدفع الاعتراضات عليه، حتى يكون لأهل ذلك العلم