المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٣
المجلد الثالث

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

سورة التّوبة
تفسير سورة براءة : هذه السورة مدنية إلا آيتين : لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ [التوبة : ١٢٨] إلى آخرها، وتسمى سورة التوبة، فاله حذيفة وغيره، وتسمى الفاضحة قاله ابن عباس، وتسمى الحافرة لأنها حفرت عن قلوب المنافقين، قال ابن عباس مازال ينزل ومنهم ومنهم حتى ظن أنه لا يبقى أحد، وقال حذيفة : هي سورة العذاب، قال ابن عمر كنا ندعوها المفشفشة، قال الحارث بن يزيد : كانت تدعى المبعثرة ويقال لها المثيرة، ويقال لها البحوث، وقال أبو مالك الغفاري : أول آية نزلت من براءة انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا [التوبة : ٤١] وقال سعيد بن جبير : كانت براءة مثل سورة البقرة في الطول، واختلف لم سقط سطر بسم اللّه الرحمن الرحيم من أولها، فقال عثمان بن عفان أشبهت معانيها معاني الأنفال وكانت تدعى القرينتين في زمن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فلذلك قرنت بينهما، ولم أكتب بسم اللّه الرحمن الرحيم ووضعتها في السبع الطول، وقال علي بن أبي طالب لابن عباس رضي اللّه عنهما : بسم اللّه الرحمن الرحيم أمان وبشارة، وبراءة نزلت بالسيف ونبذ العهود فلذلك لم تبدأ بالأمان.
قال القاضي أبو محمد : ويعزى هذا القول للمبرد وهو لعلي بن أبي طالب رضي اللّه عنه، وهذا كما يبدأ المخاطب الغاضب أما بعد، دون تقريظ ولا استفتاح بتبجيل، وروي أن كتبة المصحف في مدة عثمان اختلفوا في الأنفال وبراءة، هل هي سورة واحدة أو هما سورتان؟ فتركوا فصلا بينهما مراعاة لقول من قال هما سورتان ولم يكتبوا بسم اللّه الرحمن الرحيم مراعاة لقول من قال منهم هما واحدة فرضي جميعهم بذلك.
قال القاضي أبو محمد : وهذا القول يضعفه النظر أن يختلف في كتاب اللّه هكذا، وروي عن أبيّ بن كعب أنه قال : كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يأمرنا بوضع بسم اللّه الرحمن الرحيم في أول كل سورة، ولم يأمرنا في هذا بشيء فلذلك لم نضعه نحن، وروي عن مالك أنه قال : بلغنا أنها كانت نحو سورة البقرة ثم نسخ ورفع كثير منها وفيه البسملة، فلم يروا بعد أن يضعوه في غير موضعه، وسورة براءة من آخر ما نزل على النبي صلى اللّه عليه وسلم، وحكى عمران بن جدير أن أعرابيا سمع سورة براءة فقال أظن هذه من آخر ما أنزل اللّه على رسوله، فقيل له لم تقول ذلك؟ فقال أرى أشياء تنقص وعهودا تنبذ.
قوله عز وجل :
[سورة التوبة (٩) : الآيات ١ الى ٣]
بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ (٢) وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣)


الصفحة التالية
Icon