المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٣٠٥

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

سورة العنكبوت
هذه السورة مكية. إلا الصدر منها العشر الآيات فإنها مدنية نزلت في شأن من كان من المسلمين بمكة، وفي هذا الفصل اختلاف وهذا أصح ما قيل فيه.
قوله عز وجل :
[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ١ الى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ (٣)
تقدم القول في الحروف المقطعة في أوائل السور، وقرأ ورش «ألم احسب» بفتح الميم من غير همز بعدها وذلك على تخفيف الهمزة وإلقاء حركتها على الميم، وهذه الآية نزلت في قوم من المؤمنين كانوا بمكة، وكان الكفار من قريش يؤذونهم ويعذبونهم على الإسلام، فكانت صدورهم تضيق لذلك، وربما استنكر أن يمكن اللّه الكفرة من المؤمنين قال مجاهد وغيره، فنزلت هذه الآية مسلية ومعلمة أن هذه هي سيرة اللّه تعالى في عباده اختبارا للمؤمنين وفتنة ليعلم الصادق ويري ثواب اللّه له ويعلم الكاذب ويري عقابه إياه.
قال القاضي أبو محمد : وهذه الآية وإن كانت نزلت بهذا السبب وفي هذه الجماعة فهي بمعناها باقية في أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم، موجود حكمها بقية الدهر، وذلك أن الفتنة من اللّه تعالى والاختبار باق في ثغور المسلمين بالأسر ونكاية العدو وغير ذلك، وإذا اعتبر أيضا كل موضع ففيه ذلك بالأمراض وأنواع المحن ولكن التي تشبه نازلة المؤمنين مع قريش هي ما ذكرناه من أمر العدو في كل ثغر، وقال عبد اللّه بن عبيد بن عمير : نزلت هذه الآية في عمار بن ياسر إذ كان يعذب في اللّه تعالى ونظرائه، وقال الشعبي : سبب الآية ما كلفه المؤمنون من الهجرة، فهي الفتنة التي لم يتركوا دونها، لا سيما وقد لحقهم بسببها أن اتبعهم الكفار وردوهم وقاتلوهم، فقتل من قتل ونجا من نجا، وقال السدي :
نزلت في مسلمين كانوا بمكة وكرهوا الجهاد والقتال حين فرض على النبي صلى اللّه عليه وسلم في المدينة، و«حسب»، معناه ظن، وأَنْ نصب ب «حسب» وهي والجملة التي بعدها تسد مسد مفعولي «حسب» وأَنْ الثانية في موضع نصب على تقدير إسقاط حرف الخفض تقديره «بأن يقولوا»، ويحتمل أن يقدر «لأن يقولوا»، والمعنى في الباء واللام مختلف وذلك أنه في الباء كما تقول تركت زيدا بحاله،


الصفحة التالية
Icon