المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ١٩٥

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

سورة النجم
وهي مكية بإجماع من المتأولين وهي أول سورة أعلن بها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وجهر بقراءتها في الحرم والمشركون يستمعون، وفيها سجد وسجد معه المؤمنون والمشركون والجن والإنس غير أبي لهب فإنه رفع حفنة من تراب إلى جبهته وقال يكفيني هذا وسبب هذه السورة أن المشركين قالوا إن محمدا يتقول القرآن ويختلق أقواله فنزلت السورة في ذلك.
قوله عز وجل :
[سورة النجم (٥٣) : الآيات ١ الى ١١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (١) ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (٢) وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (٣) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى (٤)
عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (٥) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى (٦) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى (٧) ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (٨) فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (٩)
فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى (١٠) ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى (١١)
أقسم اللّه تعالى بهذا المخلوق تشريفا له وتنبيها منه ليكون معتبرا فيه حتى تولى العبرة إلى معرفة اللّه تعالى. وقال الزهري، المعنى : ورب النجم، وفي هذا قلق مع لفظ الآية. واختلف المتأولون في تعيين النجم المقسم به فقال ابن عباس ومجاهد والفراء، وبينه منذر بن سعيد هو الجملة من القرآن إذا تنزلت، وذلك أنه روي أن القرآن نزل على محمد صلى اللّه عليه وسلم نجوما أي أقدارا مقدرة في أوقات ما، ويجيء هَوى على هذا التأويل بمعنى : نزل، وفي هذا الهوى بعد وتحامل على اللغة، ونظير هذه الآية قوله تعالى : فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ [الواقعة : ٧٥] والخلاف في هذا كالخلاف في تلك، وقال الحسن ومعمر بن المثنى وغيرهما : النَّجْمِ هنا اسم جنس، أرادوا النجوم إذا هوت، واختلف قائلو هذه المقالة في معنى : هَوى فقال جمهور المفسرين : هَوى إلى الغروب، وهذا هو السابق إلى الفهم من كلام العرب، وقال الحسن بن أبي الحسن وأبو حمزة الثمالي هَوى عند الانكدار في القيامة فهي بمعنى. قوله : وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ. [الانفطار : ٢] وقال ابن عباس في كتاب الثعلبي هو في الانقضاض في أثر العفرية وهي رجوم الشياطين، وهذا القول تسعده اللغة، والتأويلات في هَوى محتملة، كلها قوية ومن الشاهد في النجم الذي هو اسم الجنس قول الراعي :
فتاقت تعد النجم في مستحيرة سريع بأيدي الآكلين جمودها
يصف إهالة صافية، والمستحيرة : القدر التي يطبخ فيها، قاله الزجاج. وقال الرماني وغيره : هي


الصفحة التالية
Icon