المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٤٦٨

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

سورة الأعلى
وهي مكية في قول الجمهور، وحكى النقاش عن الضحاك أنها مدنية، وذلك ضعيف، وإنما دعا إليه قول من قال : إن ذكر صلاة العيد فيها.
قوله عز وجل :
[سورة الأعلى (٨٧) : الآيات ١ الى ١٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (٣) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى (٤)
فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى (٥) سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (٦) إِلاَّ ما شاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى (٧) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى (٨) فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى (٩)
سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى (١٠) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (١١) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى (١٢) ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (١٣)
سَبِّحِ في هذه الآية، بمعنى نزه وقدس وقل سبحانه عن النقائص والغير جمعا وما يقول المشركون، والاسم الذي هو : ألف، سين، ميم، يأتي في مواضع من الكلام الفصيح يراد به المسمى، ويأتي في مواضع يراد به التسمية نحو قوله عليه السلام :«إن للّه تسعة وتسعين اسما» وغير ذلك، ومتى أريد به المسمى فإنما هو صلة كالزائد كأنه قال في هذه الآية : سبح ربك، أي نزهه، وإذا كان الاسم واحدا من الأسماء كزيد وعمرو، فيجيء في الكلام على ما قلت، تقول زيد قائد تريد المسمى، وتقول :
زيد ثلاثة أحرف تريد به التسمية، وهذه الآية تحتمل هذا الوجه الأول، وتحتمل أن يراد بالاسم التسمية نفسها على معنى نزه اسم ربك عن أن يسمى به صنم أو وثن، فيقال له إله ورب ونحو ذلك، والْأَعْلَى يصح أن يكون صفة للاسم، ويحتمل أن يكونصفة للرب، وذكر الطبري أن ابن عمر وعليا قرآ هذه السورة :«سبحان ربي الأعلى» قال وهي في مصحف أبيّ بن كعب كذلك، وهي قراءة أبي موسى الأشعري وابن الزبير ومالك بن أبي دينار، وروى ابن عباس أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان إذا قرأ هذه الآية قال :
«سبحان ربي الأعلى»، وكان ابن مسعود وابن عامر وابن الزبير يفعلون ذلك، ولما نزلت هذه الآية قال النبي صلى اللّه عليه وسلم :«اجعلوها في سجودكم»، وقال قوم : معنى سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ نزه اسم ربك تعالى عن أن تذكره إلا وأنت خاشع، وقال ابن عباس معنى الآية : صلّ باسم ربك الأعلى كما تقول ابدأ باسم اللّه، وحذف حرف الجر، و«سوى»، معناه عدل وأتقن حتى صارت الأمور مستوية دالة على قدرته ووحدانيته، وقرأ جمهور القراء «قدّر» بشد الدال فيحتمل أن يكون من القدر والقضاء، ويحتمل أن يكون


الصفحة التالية
Icon