المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٥٠٤
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
سورة القدراختلف الناس في موضع نزول هذه السورة، فقال قتادة : هي مكية، وقال ابن عباس وغيره : هي مدنية.
قوله عز وجل :
[سورة القدر (٩٧) : الآيات ١ الى ٥]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١) وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (٣) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (٤)سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (٥)
الضمير في أَنْزَلْناهُ للقرآن وإن لم يتقدم ذكره لدلالة المعنى عليه، فقال ابن عباس وغيره : أنزله اللّه تعالى ليلة الْقَدْرِ إلى السماء الدنيا جملة، ثم نجمه على محمد صلى اللّه عليه وسلم في عشرين سنة، وقال الشعبي وغيره : إِنَّا ابتدأنا إنزال هذا القرآن إليك فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وقد روي أن نزول الملك في حراء كان في العشر الأواخر من رمضان، فيستقيم هذا التأويل وقد روي أنه قد نزل في الرابع عشر من رمضان، فلا يستقيم هذا التأويل إلا على قول من يقول إن ليلة القدر تستدير الشهر كله ولا تختص بالعشر الأواخر، وهو قول ضعيف، حديث النبي صلى اللّه عليه وسلم يرده في قوله :«فالتمسوها في العشر الأواخر من رمضان» وقال جماعة من المتأولين معنى قوله : إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، إنا أنزلنا هذه السورة في شأن ليلة القدر وفي فضلها.
وإذا كانت السورة من القرآن جاء الضمير للقرآن تفخيما وتحسينا، فقوله تعالى : فِي لَيْلَةِ هو قول عمر بن الخطاب : لقد خشيت أن ينزل في قرآن ليلة نزول سورة الفتح، ونحو قول عائشة في حديث الإفك : لأنا أحقر في نفسي من أن ينزل في قرآن، ولَيْلَةُ الْقَدْرِ : هي ليلة خصها اللّه تعالى بفضل عظيم وجعلها أفضل مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، لا ليلة قدر فيها، قاله مجاهد وغيره، وخصت هذه الأمة بهذه الفضيلة لما رأى محمد عليه السلام أعمال أمته فتقاصرها، وقوله تعالى : وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ ليلة القدر عبارة عن تفخيم لها، ثم أداره تعالى بعد قوله : لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ، قال ابن عيينة في صحيح البخاري ما كان في القرآن : وَما أَدْراكَ فقد أعلمه، وما قال :«و ما يدريك» فإنه لم يعلم، وذكر ابن عباس وقتادة وغيره : أنها سميت ليلة القدر، لأن اللّه تعالى يقدر فيها الآجال والأرزاق وحوادث العالم كلها ويدفع ذلك إلى الملائكة لتمتثله، وقد روي مثل هذا في ليلة النصف من شعبان، ولهذا ظواهر من كتاب اللّه عز وجل على نحو قوله تعالى : فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ [الدخان : ٤]، وأما