تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٨١٦
تفسير سورة الشعراء
تهديد المشركين لإعراضهم عن القرآن الكريم
كان موقف المشركين المعارض لدعوة النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم سببا في أمرين : تأكيد العناية والحرص على سلامة النّبي من الأذى، وتطمين نفسه، وإزالة ما به من القلق، وتهديد أهل الشّرك صراحة بإنزال آية من آيات العذاب الكبرى، فتبيد آثارهم، وتجعلهم عبرة للمعتبر، لأنهم كذبوا الرسول وآيات القرآن، ولم يشكروا نعمة الله عليهم، مما أوجده في الأرض من أصناف كريمة للخير والرزق الحسن، وهم مع ذلك يظل أكثرهم غير مؤمنين، والله هو الغالب القاهر الرحيم بالتائبين منهم. قال الله تعالى واصفا هذه الأحوال في مطلع سورة الشعراء المكّية :
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ١ الى ٩]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
طسم (١) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٣) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (٤)وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (٥) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٦) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (٧) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٨) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٩)
«١» «٢» [الشّعراء : ٢٦/ ١- ٩].
افتتحت هذه السورة بأحرف طسم (١) للتنبيه، وتحدّي العرب بالإتيان بمثل القرآن الكريم، باعتباره متكوّنا من مادة لغتهم وحروفها الأبجدية، وهم أهل الفصاحة وفرسان البلاغة والبيان. فإذا عجزوا عن ذلك دلّ على أنه كلام الله الموحى
(٢) صنف حسن نافع.