تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٤٢٩
تفسير سورة محمد عليه السّلام
الموازنة بين سلوك الكافرين والمؤمنين
كثيرا ما يعقد الحق سبحانه وتعالى موازنة أو مقارنة بين أحوال الكافرين وسلوكياتهم، وبين أحوال المؤمنين الذين يعملون الصالحات واختياراتهم، فيزيد الفريق الأول وهم الضالون ضلالا وحيرة، ويجعلهم مثلا وعبرة، ويزيد الفريق الثاني وهم المؤمنون صلاحا وتوفيقا، ويكفّر عنهم سيئاتهم، ويعصمهم من المعاصي، ويرشدهم إلى عمل الخير في الدنيا، ويورّثهم نعيم الجنة في الآخرة، وهذا لون بيّن من هذه المقارنة في الآيات الآتية في مطلع سورة محمد المدنية بالإجماع، علما بأن التشريع المكي ما كان قبل الهجرة، والتشريع المدني : ما كان بعد الهجرة :
[سورة محمد (٤٧) : الآيات ١ الى ٣]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ (٢) ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ (٣)«١» «٢» «٣» «٤» «٥» [محمد : ٤٧/ ١- ٣].
قال ابن عباس ومجاهد : نزلت هذه الآيات في أهل مكة والأنصار، فقوله تعالى :
الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (١) : هم أهل مكة نزلت فيهم. وقوله :
(٢) أحبطها وأبطلها. [.....]
(٣) أصلح شأنهم أو حالهم أو أمرهم.
(٤) الشيطان وكل ما يأمر به.
(٥) الحق هنا هو الشرع ومحمد صلّى اللّه عليه وسلّم.