تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٦٣٣
تفسير سورة الممتحنة
حكم موالاة الأعداء
في مواطن كثيرة من آي القرآن الكريم حذّر اللّه تعالى من موالاة الكفار، ونهى عن اتّخاذهم أولياء، أي أصدقاء، لوجود التهمة وانعدام الثقة بنصحهم وقولهم، ومن أجل الحفاظ على المصالح العامة العليا للأمة، التي إن روعيت تحقق النصر والأمن والمصلحة، وإن ألغيت أو عبث بها بعض الناس، وقعت الأمة في الهزائم المتوالية، والهزّات، والمحن المتلاحقة، وسورة الممتحنة كلها نزلت- كما أخرج أصحاب الكتب السّتة- في شأن حاطب بن أبي بلتعة الذي أخبر قريشا بكتاب مع امرأة بعزم النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم على حربهم، ونزل جبريل بالخبر، فبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عليّا وعمارا وعمرا أو الزبير والمقداد بن الأسود (أي ثلاثا) والظاهر المشهور أنهم علي والزبير والمقداد، لتخليص الكتاب من المرأة، ففعلوا، وقد أراد حاطب الذي شهد بدرا مصانعة قريش ليحموا له أهله وأمواله، ولم ينافق أو يكفر، فأنزل اللّه هذه السورة (الممتحنة) التي هي مدنية بالإجماع ومطلعها :
[سورة الممتحنة (٦٠) : الآيات ١ الى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١) إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (٢) لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣)
«١» «٢» «٣»
(١) العدو : اسم يقع للجمع والمفرد، والمراد به هاهنا كفار قريش، وينطبق على سائر الكفار.
(٢) أصدقاء توالونهم السّر.
(٣) تفضون إليهم بالمودّة، أي النصيحة هنا.


الصفحة التالية
Icon