بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

﴿والذاريات ذَروا (١) فَالْحَامِلَات وقرا (٢) فَالْجَارِيَات يسرا (٣) فَالْمُقَسِّمَات﴾
تَفْسِير سُورَة الذاريات
وَهِي مَكِّيَّة فِي قَول الْجَمِيع
قَوْله تَعَالَى: ﴿والذاريات ذَروا﴾ وروى أَبُو الطُّفَيْل أَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ خطب وَقَالَ: سلوني: فوَاللَّه لَا تَسْأَلُونِي عَن شَيْء يكون إِلَى يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا حدثتكم بِهِ، سلوني عَن كتاب الله، مَا من آيَة نزلت إِلَّا وَأَنا أعلم بلَيْل نزلت أم بنهار، فِي سهل أم فِي جبل، وفيم أنزلت، فَقَامَ ابْن الكوا وَقَالَ: مَا لذاريات ذَروا فَالْحَامِلَات وقرا فَالْجَارِيَات يسرا فَالْمُقَسِّمَات أمرا؟ فَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ سل تفقها، وَلَا تسْأَل تعنتا، " والذاريات ذَروا " هِيَ الرِّيَاح، فَالْحَامِلَات وقرا " هِيَ السَّحَاب " فَالْجَارِيَات يسرا " هِيَ السفن " فَالْمُقَسِّمَات أمرا هِيَ الْمَلَائِكَة، وَمثل هَذَا عَن ابْن عَبَّاس، وعَلى أَكثر هَذَا الْمُفَسّرين.
فَقَوله: ﴿والذاريات﴾ هِيَ من ذرت الرّيح التُّرَاب وأذرته إِذا فرقته، وَيُقَال: إِن الذاريات هِيَ النِّسَاء الْحَوَامِل تذرين الْأَوْلَاد، وَالْأول هُوَ الْمُخْتَار.
وَقَوله: ﴿فَالْحَامِلَات وقرا﴾ قيل: إِنَّهَا الرِّيَاح تحمل السَّحَاب، والوقر هُوَ السَّحَاب.
وَقَوله: ﴿فَالْجَارِيَات يسرا﴾ يُقَال: إِنَّهَا الرِّيَاح أَيْضا تجْرِي بسهوله وَيسر، وَيُقَال: ﴿فَالْجَارِيَات يسرا﴾ هِيَ: الْكَوَاكِب السبة: الشَّمْس، وَالْقَمَر، وَالْمُشْتَرِي، وَعُطَارِد، والزهرة، وبهرام، وزحل، وَالْقَوْل الأول هُوَ الْمُخْتَار.
وَقَوله: ﴿فَالْمُقَسِّمَات أمرا﴾ يُقَال: إِنَّهَا الرِّيَاح أَيْضا. وَمعنى قسْمَة الْأَمر: أَن الرِّيَاح تقسم الْمَطَر فتصب الْبَعْض وَلَا تصب الْبَعْض، وَالْقَوْل الأول هُوَ الْمُخْتَار، وَالْمعْنَى من الْمَلَائِكَة هم أَرْبَعَة: جِبْرِيل، وَمِيكَائِيل، وإسرافيل، وعزرائيل؛ فجبريل على الْوَحْي وَالْعَذَاب، وَمِيكَائِيل على الرزق والمطر والرياح، وإسرافيل على الصُّور، وعزرائيل على قبض الْأَرْوَاح، وَقَالَ الْأَعْشَى فِي وصف السَّحَاب.


الصفحة التالية
Icon