﴿إن تعذبهم﴾ أي: من أقام على الكفر منهم ﴿فإنهم عبادك﴾ وأنت مالكهم تتصرف فيهم كيف شئت لا اعتراض عليك ﴿وإن تغفر لهم﴾ أي: لمن آمن منهم ﴿فإنك أنت العزيز﴾ أي: الغالب على أمره ﴿الحكيم﴾ في صنعه فإن عذبت فعدل، وإن عفوت ففضل.
﴿قال الله﴾ تعالى ﴿هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم﴾ أي: في الدنيا كعيسى فإنّ النافع ما كان حال التكليف لا صدقهم في الآخرة، وقرأ نافع بنصب الميم على أنه ظرف لقال وخبر هذا محذوف، والمعنى: هذا الذي من كلام عيسى عليه السلام واقع يوم ينفع، والباقون بالرفع على الخبر، وقيل: أراد بالصادقين النبيين، وقال الكلبي: ينفع المؤمنين إيمانهم، وقال قتادة: متكلّمان يخطبان يوم القيامة عيسى عليه الصلاة والسلام وهو ما قصّ الله تعالى وعدوّ الله إبليس، وهو قوله تعالى: وقال الشيطان لما قضي الأمر فصدق عدوّ الله يومئذٍ، وكان كاذباً فلم ينفعه صدقه.
قال: ولما كان عيسى صادقاً في الدنيا والآخرة نفعه صدقه. ثم بيّن تعالى ثوابهم فقال: ﴿لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها﴾ وأكد معنى ذلك بقوله تعالى: ﴿أبداً﴾ ولما كان ذلك لا يتمّ إلا برضا الله تعالى قال: ﴿رضي الله عنهم﴾ بطاعته ﴿ورضوا عنه﴾ بثوابه ﴿ذلك﴾ أي: هذا الأمر العليّ لا غيره ﴿الفوز العظيم﴾ وأمّا الكاذبون في الدنيا فلا ينفعهم صدقهم في ذلك اليوم كالكفار لما يؤمنون عند رؤية العذاب.
﴿ملك السموات والأرض﴾ أي: خزائن المطر والنبات والرزق وغيرها ﴿وما فيهنّ﴾ من إنس وجنّ وملك وغيرهم ملكاً وخلقاً، وأتى بما دون من تغليباً لغير العاقل ﴿وهو على كل شيء قدير﴾ ومنه إثابة الصادق وتعذيب الكاذب، قال السيوطي: وخصّ العقل ذاته فليس عليها بقادر، وقوله البيضاوي عن النبيّ ﷺ «من قرأ سورة المائدة أعطي من الأجر عشر حسنات ومحي عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات بعدد كل يهودي ونصراني يتنفس في الدنيا» حديث موضوع.
سورة الأنعام
مكية
(١٥/١٤٩)