سورة الكهف
* * *
فإن قيل: قوله تعالى: (قَيِّمًا) بمعنى مستقيماً وقوله: (وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا) مغن عن قوله: "قيماً " لأنه متى انتفى العوج ثبتت الاستقامة، لأن العوج في المعانى كالعوج في الأعيان، والمراد به هنا نفى الاختلاف والتناقض في معانيه، وأنه لا يخرج منه شىء عن الصواب والحكمة، وقيل: في الآية تقديم وتأخير تقديره: الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب قيماً ولم يجعل له عوجاً؟
قلنا: قال الفراء: معنى قوله تعالى "قيماً " قائماً على الكتب السماوي كلها، مصدقاً لها شاهداً بصحتها ناسخاً لبعض شرائعها، فعلى هذا لا تكرار فيه، وعلى القول المشهور يكون الجمع بينهما للتأكيد سواء قدر قيماً مقدماً أو أقر في مرتبته ونصب بفعل مضمر تقديره: ولكن جعله قيماً، ولابد من هذا الإضمار أو من التقديم
والتأخير، وإلا يصير المعنى ولم يجعل له عوجاً مستقيماً، ولكن العوج لا يكون مستقيماً.
* * *
فإن قيل: اتخاذ الله تعالى ولداً محال، فكيف قال تعالى:
(مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ) وإنما يستقيم أن يقال: فلان ما له علم بكذا إذا كان ذلك الشيء مما يعلمه غيره، أو مما يصح أن يعلم كقولنا: زيد ما له علم بالعربية أو بالحساب أو بالشعر ونحو ذلك؟
قلنا: معناه ما لهم به من علم، لأنه ليس مما يعلم لاستحالته، وهذا لأن انتفاء العلم بالشي تارة يكون للجهل بالطريق الموصل إليه،