﴿فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ أَيْ: فَأَخْبِرْهُمْ-يَا مُحَمَّدُ-بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا.
وَقَوْلُهُ ﴿إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، يَعْنِي لَكِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا-أَيْ: بِقُلُوبِهِمْ-وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِجَوَارِحِهِمْ ﴿لَهُمْ أَجْرٌ﴾ أَيْ: فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ.
﴿غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: غَيْرُ مَنْقُوصٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَالضَّحَّاكُ: غَيْرُ مَحْسُوبٍ.
وَحَاصِلُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ غَيْرُ مَقْطُوعٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ [هُودٍ: ١٠٨]. وَقَالَ السُّدِّيُّ: قَالَ بَعْضُهُمْ: ﴿غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ غَيْرُ مَنْقُوصٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ﴿غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ عَلَيْهِمْ.
وَهَذَا الْقَوْلُ الْآخَرُ عَنْ بَعْضِهِمْ قَدْ أَنْكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ؛ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ الْمِنَّةُ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي كُلِّ حَالٍ وَآنٍ وَلَحْظَةٍ، وَإِنَّمَا دَخَلُوهَا بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ لَا بِأَعْمَالِهِمْ، فَلَهُ عَلَيْهِمُ الْمِنَّةُ دَائِمًا سَرْمَدًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ أَبَدًا؛ وَلِهَذَا يُلْهَمُونَ تَسْبِيحَهُ وَتَحْمِيدَهُ كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَس: ﴿وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [يُونُسَ: ١٠].
آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ "الِانْشِقَاقِ" وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
تَفْسِيرُ سُورَةِ الْبُرُوجِ
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا رُزَيق بْنُ أَبِي سَلْمَى، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُهَزِّمِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ بِالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ، وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (١).
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ-مَوْلَى بَنِي (٢) هَاشِمٍ-حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ عَبَّادٍ السَّدُوسِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا الْمُهَزِّمِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم أمر أن يقرأ بالسموات فِي الْعِشَاءِ (٣) تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (١) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (٢) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (٣) قُتِلَ أَصْحَابُ الأخْدُودِ (٤) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (٥) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (٦) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (٧) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٨) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٩) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (١٠) ﴾(٢) في م: "مولى ابن".
(٣) المسند (٢/٣٢٧).