تَفْسِيرُ سُورَةِ الضُّحَى
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ.
رَوَيْنَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْحَسَنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَزةَ الْمُقْرِئِ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى عِكْرِمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ قُسْطَنْطِينَ وَشِبْلِ بْنِ عبَّاد، فَلَمَّا بَلَغْتُ " وَالضُّحَى " قَالَا لِي: كَبر حَتَّى تَخْتِمَ مَعَ خَاتِمَةِ كُلِّ سُورَةٍ، فَإِنَّا قَرَأْنَا عَلَى ابْنِ كَثِيرٍ فَأَمَرَنَا بِذَلِكَ. وَأَخْبَرَنَا أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى مُجَاهِدٍ فَأَمَرَهُ بِذَلِكَ. وَأَخْبَرَهُ مُجَاهِدٌ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَمَرَهُ بِذَلِكَ، وَأَخْبَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَأَمَرَهُ بِذَلِكَ، وَأَخْبَرَهُ أُبَيٌّ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهُ بِذَلِكَ (١).
فَهَذِهِ سُنة تَفَرَّدَ بِهَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَزِّيُّ، مِنْ وَلَدِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، وَكَانَ إِمَامًا فِي الْقِرَاءَاتِ، فَأَمَّا فِي الْحَدِيثِ فَقَدْ ضَعَّفَه أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ وَقَالَ: لَا أُحَدِّثُ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ أَبُو جَعْفَرٍ الْعُقَيْلِيُّ قَالَ: هُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ. لَكِنْ حَكَى الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ فِي شَرْحِ الشَّاطِبِيَّةِ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يُكَبِّرُ هَذَا التَّكْبِيرَ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ لَهُ: أَحْسَنْتَ وَأَصَبْتَ السُّنَّةَ. وَهَذَا يَقْتَضِي صِحَّةَ هَذَا الْحَدِيثِ.
ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي مَوْضِعِ هَذَا التَّكْبِيرِ وَكَيْفِيَّتِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُكَبِّرُ مِنْ آخِرِ " وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى " وَقَالَ آخَرُونَ: مِنْ آخِرِ " وَالضُّحَى " وَكَيْفِيَّةُ التَّكْبِيرِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُ أَكْبَرُ وَيَقْتَصِرُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ.
وَذَكَرَ الْفَرَّاءُ فِي مُنَاسَبَةِ التَّكْبِيرِ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ "الضُّحَى": أَنَّهُ لَمَّا تَأَخَّرَ الْوَحْيُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَتَرَ تِلْكَ الْمُدَّةَ [ثُمَّ] (٢) جَاءَهُ الْمَلَكُ فَأَوْحَى إِلَيْهِ: " وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى " السُّورَةَ بِتَمَامِهَا، كَبَّرَ فَرَحًا وَسُرُورًا. وَلَمْ يُرْوَ ذَلِكَ بِإِسْنَادٍ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِصِحَّةٍ وَلَا ضَعْفٍ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ (٣).
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿وَالضُّحَى (١) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (٢) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (٣) وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأولَى (٤) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (٥) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (٦) وَوَجَدَكَ ضَالا فَهَدَى (٧) وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى (٨) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (٩) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (١٠) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (١١) ﴾(٢) زيادة من م.
(٣) والصواب أن هذا مما لم يصح فيه شيء عن النبي ﷺ ولا عن صحابته، رضي الله عنهم، وما روى فيها مما لا تقوم به الحجة، وشيخ الإسلام -ابن تيمية- قد تكلم على هذا التكبير كلاما شديدا في الفتاوى (١٣/٤١٧-٤١٩)، وانظر: الآداب الشرعية لابن مفلح (٢/٣١٠) ومرويات دعاء ختم القرآن لبكر أبو زيد (ص٦) ومن كتابه استفدت هذا، فجزاه الله خيرا.