تفسير سورة الممتحنة بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (١) ﴾
قال أبو جعفر: يقول: تعالى ذكره للمؤمنين به من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي) من المشركين (وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ) يعنى أنصارا.
وقوله: (تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) يقول جلّ ثناؤه: تلقون إليهم مودتكم إياهم، ودخول الباء في قوله: (بِالْمَوَدَّةِ) وسقوطها سواء، نظير قول القائل: أريد بأن تذهب، وأريد أن تذهبَ سواء، وكقوله: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ) والمعنى: ومن يرد فيه إلحادًا بظلم؛ ومن ذلك قول الشاعر:
فَلمَّا رَجَتْ بالشُّرْبِ هَزَّ لَهَا الْعَصَا شَحِيحٌ لَهُ عِنْدَ الإزَاءِ نَهِيمُ (١)

(١) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن (الورقة ٣٣٠) عند قوله تعالى "تلقون إليهم بالمودة". قال: دخول الباء في مودة وسقوطها سواء، هذا بمنزلة أظن أنك قائم، وبأنك قائم، وأريد أن تذهب، وأريد بأن تقوم. وقد قال الله: "ومن يرد فيه بإلحاد بظلم" فأدخل الباء. والمعنى: ومن يرد فيه إلحادًا، أنشدني أبو الجراح: "فلما رجت بالشرب... البيت" معناه: فلما رجت أن تشرب. اهـ. والإزاء: الحوض الذي تشرب منه الإبل. والنهيم صوت زجر وتوعد. وقد سبق استشهاد المؤلف بالبيت في سورة الحج عند قوله تعالى "ومن يرد فيه بإلحاد" الجزء (١٧: ١٣٩). ووقع في متن البيت هناك "الأداء" في موضع "الإزاء" هنا، خطأ مطبعيًا، فلتصلح الكلمة كما هنا "الإزاء" وهو الحوض.


الصفحة التالية
Icon