دينهم وإخلاصهم، فقال :﴿ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مّن شَىْء ﴾ بعد شهادته لهم بالإخلاص وبإرادة وجه الله في أعمالهم على معنى : وإن كان الأمر على ما يقولون عند الله، فما يلزمك إلا اعتبار الظاهر والاتسام بسيمة المتقين وإن كان لهم باطن غير مرضي فحسابهم عليهم لازم لهم لا يتعدّاهم إليك، كما أن حسابك عليك لا يتعدّاك إليهم، كقوله :﴿ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ ( الزمر : ٧ ). فإن قلت : أما كفى قوله :﴿ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مّن شَىْء ﴾ حتى ضم إليه ﴿ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مّن شَىْء ﴾ ؟ قلت : قد جعلت الجملتان بمنزلة جملة واحدة، وقصد بهما مؤدى واحد وهو المعنيّ في قوله :﴿ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ ( الزمر : ٧ ) ولا يستقل بهذا المعنى إلا الجملتان جميعاً، كأنه قيل : لا تؤاخذ أنت ولا هم بحساب صاحبه. وقيل : الضمير للمشركين. والمعنى : لا يؤاخذون بحسابك ولا أنت بحسابهم، حتى يهمك إيمانهم ويحرّك الحرص عليه إلى أن تطرد المؤمنين ﴿ فَتَطْرُدَهُمْ ﴾ جواب النفي ﴿ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ جواب النهي. ويجوز أن يكون عطفاً على ﴿ فَتَطْرُدَهُمْ ﴾ على وجه التسبيب، لأن كونه ظالماً مسبب عن طردهم. وقرىء :( بالغدوة والعشي ).
! ٧ < ﴿ وَكَذالِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِّيَقُولواْ أَهَاؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ﴾ > ٧ { < الأنعام :( ٥٣ ) وكذلك فتنا بعضهم..... > >
﴿ وَكَذالِكَ فَتَنَّا ﴾ ومثل ذلك الفتن العظيم، فتنا بعض الناس ببعض، أي ابتليناهم بهم. وذلك أنّ المشركين كانوا يقولون للمسلمين ﴿ أَهَاؤُلاءِ ﴾ الذين ﴿ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مّن بَيْنِنَا ﴾ أي أنعم عليهم بالتوفيق لإصابة الحق ولما يسعدهم عنده من دوننا، ونحن المقدمون والرؤساء، وهم العبيد والفقراء، إنكاراً لأن يكون أمثالهم على الحق وممنوناً عليهم من بينهم بالخير، ونحوه ﴿ أَءلْقِىَ الذّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا ﴾ ( القمر : ٢٥ )، ﴿ وَلَوْ كَانَ * خَيْراً مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ ﴾ ( الأحقاف : ١١ ). ومعنى فتناهم ليقولوا ذلك : خذلناهم فافتتنوا، حتى كان افتنانهم سبباً لهذا القول، لأنه لا يقول مثل قولهم هذا إلاّ مخذول مفتون ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ﴾ أي الله أعلم بمن يقع منه الإيمان والشكر فيوفقه للإيمان. وبمن يصمم على كفره فيخذله ويمنعه التوفيق.
! ٧ < ﴿ وَإِذَا جَآءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِأايَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ > ٧ { < الأنعام :( ٥٤ ) وإذا جاءك الذين..... > >
﴿ فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ﴾ إما أن يكون أمراً بتيليغ سلام الله إليهم. وإما أن يكون أمراً بأن يبدأهم بالسلام إكراماً لهم وتطييباً لقلوبهم. وكذلك قوله :﴿ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ﴾ من جملة ما يقول لهم ليسرهم ويبشرهم بسعة رحمة الله وقبوله التوبة منهم.