ليس إلاّ تمويهاً وباطلاً. فإن قلت : هم قطعوا بقولهم :﴿ إِنَّ هَاذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ ﴾ على أنه سحر، فكيف قيل لهم : أتقولون أسحر هذا ؟ قلت : فيه أوجه : أن يكون معنى قوله :﴿ أَتقُولُونَ لِلْحَقّ ﴾ أتعيبونه وتطعنون فيه. وكان عليكم أن تذعنوا له وتعظموه، من قولهم : فلان يخاف القالة، وبين الناس تقاول إذا قال بعضهم لبعض ما يسوؤه، ونحو القول : الذكر، في قوله :﴿ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ ﴾ ( الأنبياء : ٦٠ ) ثم قال :﴿ أَسِحْرٌ هَاذَا ﴾ فأنكر ما قالوه في عيبه والطعن عليه، وأن يحذف مفعول أتقولون وهو ما دلّ عليه قولهم :﴿ إِنَّ هَاذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ ﴾ كأنه قيل : أتقولون ما تقولون، يعني قولهم : إن هذا لسحر مبين، ثم قيل : أسحر هذا ؟ وأن يكون جملة قوله :﴿ أَسِحْرٌ هَاذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ ﴾ حكاية لكلامهم، كأنهم قالوا : أَجئتما بالسحر تطلبان به الفلاح ﴿ وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ ﴾ كما قال موسى للسحرة : ما جئتم به آلسحر، إنّ الله سيبطله ﴿ لِتَلْفِتَنَا ﴾ لتصرفنا. واللفت والفتل : أخوان، ومطاوعهما الالتفات والانفتال ﴿ عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءابَاءنَا ﴾ يعنون عبادة الأصنام ﴿ وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء ﴾ أي الملك ؛ لأن الملوك موصوفون بالكبر. ولذلك قيل للملك الجبار، ووصف بالصيد والشوس، ولذلك وصف ابن الرقيات مصعباً في قوله :% ( مُلْكُهُ مُلْكُ رَأْفَةٍ لَيْسَ فِيه % جَبَرُوتٌ مِنْهُ وَلاَ كُبْرِيَاءُ ) %
ينفي ما عليه الملوك من ذلك. ويجوز أن يقصدوا ذمّهما وأنهما إن ملكا أرض مصر تجبرا وتكبرا، كما قال القبطي لموسى عليه السلام : إن تريد إلاّ أن تكون جباراً في الأرض ﴿ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ ﴾ أي مصدّقين لكما فيما جئتما به. وقرىء :( يطبع ) ويكون لكما، بالياء.
! ٧ < ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِى بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ * فَلَمَّا جَآءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُّوسَى أَلْقُواْ مَآ أَنتُمْ مُّلْقُونَ * فَلَمَّآ أَلْقُواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ * وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ﴾ > ٧ !
< < يونس :( ٧٩ ) وقال فرعون ائتوني..... > > ﴿مَا جِئْتُمْ بِهِ ﴾ ما موصولة واقعة مبتدأ. و ﴿ السِّحْرُ ﴾ خبر، أي الذي جئتم به هو

__________


الصفحة التالية
Icon