عفوكما إن لم يعف عنا ربنا، فإن لم يوح إليك بالعفو فلا قرّت لنا عين أبداً، فاستقبل الشيخ القبلة قائماً يدعو، وقام يوسف خلفه يؤمّن، وقاموا خلفهما أذلة خاشعين عشرين سنة. حتى بلغ جهدهم وظنوا أنها الهلكة نزل جبريل علي السلام فقال : إن الله قد أجاب دعوتك في ولدك، وعقد مواثيقهم بعدك على النبوّة، وقد اختلف في استنبائهم.
! ٧ < ﴿ فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ ءَاوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَآءَ اللَّهُ ءَامِنِينَ * وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَا وَقَالَ ياأَبَتِ هَاذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاى مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّى حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَى إِذْ أَخْرَجَنِى مِنَ السِّجْنِ وَجَآءَ بِكُمْ مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِى وَبَيْنَ إِخْوَتِى إِنَّ رَبِّى لَطِيفٌ لِّمَا يَشَآءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ > ٧ !
< < يوسف :( ٩٩ ) فلما دخلوا على..... > > ﴿فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ ﴾ قيل وجه يوسف إلى أبيه جهازاً ومائتي راحلة ليتجهز إليه بمن معه. وخرج يوسف والملك في أربعة آلاف من الجند والعظماء وأهل مصر بأجمعهم، فتلقوا يعقوب وهو يمشي يتوكأ على يهوذا، فنظر إلى الخيل والناس فقال : يا يهوذا، أهذا فرعون مصر ؟ قال لا، هذا ولدك، فلما لقيه قال يعقوب عليه السلام : السلام عليك يا مذهب الأحزان. وقيل : إن يوسف قال له لما التقيا : يا أبت، بكيت عليّ حتى ذهب بصرك، ألم تعلم أن القيامة تجمعنا ؟ فقال : بلى، ولكن خشيت أن تسلب دينك فيحال بيني وبينك، وقيل : إنّ يعقوب وولده دخلوا مصر وهم اثنان وسبعون، ما بين رجل وامرأة، وخرجوا منها مع موسى ومقاتلتهم ستمائة ألف وخمسمائة وبضعة وسبعون رجلاً سوى الذرية والهرمى، وكانت الذرّية ألف ألف ومائتي ألف ﴿ أَوَى * إِلَيْكَ * أَبَوَيْهِ ﴾ ضمهما إليه واعتنقهما. قال ابن أبي إسحاق : كانت أمّه تحيى، وقيل : هما أبوه وخالته. ماتت أمّه فتزوّجها وجعلها أحد الأبوين ؛ لأنّ الرابة تدعى أمّاً، لقيامها مقام الأمّ، أو لأنّ الخالة أمّ كما أنّ العم أب. ومنه قوله :﴿ وَإِلَاهَ آبَائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ﴾ ( البقرة : ١٣٣ ) فإن قلت : ما معنى دخولهم عليه قبل دخولهم مصر ؟ قلت : كأنه حين استقبلهم نزل لهم في مضرب أو بيت ثم، فدخلوا عليه وضمّ إليه أبويه، ثم قال لهم ﴿ دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ ءاوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ ﴾ ولما دخل مصر وجلس في مجلسه مستوياً على سريره واجتمعوا إليه، أكرم أبويه فرفعهما على السرير ﴿ وَخَرُّواْ لَهُ ﴾ يعني الإخوة الأحد عشر والأبوين ﴿ سُجَّدًا ﴾ ويجوز أن يكون قد خرج في قبة من قباب الملوك التي تحمل على البغال، فأمر أن يرفع إليه أبواه، فدخلا عليه القبة. فآواهما إليه بالضم والاعتناق وقرّبهما منه، وقال بعد ذلك : ادخلوا مصر. فإن قلت : بم تعلقت المشيئة ؟ قلت : بالدخول مكيفاً بالأمن، لأن القصد إلى اتصافهم بالأمن في دخولهم، فكأنه قيل لهم : اسلموا وأمنوا في دخولكم إن شاء الله. ونظيره قولك للغازي : ارجع سالماً غانماً إن شاء الله، فلا تعلق المشيئة

__________


الصفحة التالية
Icon