منهم بأنهم على الحق والرسل على الباطل، وخاب كل جبار عنيد منهم ولم يفلح باستفتاحه ﴿ مِّن وَرَائِهِ ﴾ من بين يديه. قال :% ( عَسَى الْكَرْبُ الَّذِي أَمْسَيْتَ فِيه % يَكُونُ وَرَاءَهُ فَرَجٌ قَرِيبُ ) %
وهذا وصف حاله وهو في الدنيا، لأنه مرصد لجهنم، فكأنها بين يديه وهو على شفيرها أو وصف حاله في الآخرة حين يبعث ويوقف، فإن قلت : علام عطف ﴿ وَيُسْقَى ﴾ ؟ قلت : على محذوف تقديره : من ورائه جهنم يلقى فيها ما يلقى ويسقي من ماء صديد، كأنه أشد عذابها فخصص بالذكر مع قوله :﴿ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيّتٍ ﴾. فإن قلت : ما وجه قوله تعالى ﴿ مِن مَّاء صَدِيدٍ ﴾ ؟ قلت : صديد عطف بيان لماء، قال :﴿ وَيُسْقَى مِن مَّاء ﴾ فأبهمه إبهاماً ثم بينه بقوله ﴿ صَدِيدٍ ﴾ وهو ما يسيل من جلود أهل النار ﴿ يَتَجَرَّعُهُ ﴾ يتكلف جرعه ﴿ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ ﴾ دخل كاد للمبالغة. يعني : ولا يقارب أن يسيغه، فكيف تكون الإساغة، كقوله :﴿ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ﴾ ( النور : ٤٠ ) أي لم يقرب من رؤيتها فكيف يراها ﴿ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلّ مَكَانٍ ﴾ كأنّ أسباب الموت وأصنافه كلها قد تألبت عليه وأحاطت به من جميع الجهات، تفظيعاً لما يصيبه من الآلام. وقيل :﴿ مّن كُلّ مَكَانٍ ﴾ من جسده حتى من إبهام رجله. وقيل : ن أصل كل شعرة ﴿ وَمِن وَرَائِهِ ﴾ ومن بين يديه ﴿ عَذَابٍ غَلِيظٍ ﴾ أي في كل وقت يستقبله يتلقى عذاباً أشدّ مما قبله وأغلظ. وعن الفضيل : هو قطع الأنفاس وحبسها في الأجساد. ويحتمل أن يكون أهل مكة قد استفتحوا أي استمطروا والفتح المطر في سني القحط التي أرسلت عليهم بدعوة رسول الله ﷺ فلم يسقوا، فذكر سبحانه ذلك، وأنه خيب رجاء كل جبار عنيد وأنه يسقى في جهنم بدل سقياه ماء آخر، وهو صديد أهل النار. واستفتحوا على هذا التفسير : كلام مستأنف منقطع عن حديث الرسل وأممهم.
! ٧ < ﴿ مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَىْءٍ ذالِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ ﴾ > ٧ !
< < إبراهيم :( ١٨ ) مثل الذين كفروا..... > > هو مبتدأ محذوف الخبر عند سيبويه، تقديره : وفيما يقص عليك ﴿ مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ ﴾ والمثل مستعار للصفة التي فيها غرابة وقوله :﴿ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ ﴾ جملة مستأنفة على تقدير سؤال سائل يقول : كيف مثلهم ؟ فقيل : أعمالهم كرماد. ويجوز أن يكون المعنى : مثل أعمال الذين كفروا بربهم. أو هذه الجملة خبراً للمبتدأ، أي صفة الذين

__________


الصفحة التالية
Icon